ذواتنا
حب التملّك فينا لا حل له؟ قد نستطيع أن نملأ حافلة بالأغراض التي لسنا بحاجة ماسة لها، ولكنها تظل مع ذلك عصيّة على الحذف بسهولة وتتخندق بقوة في زاوية مكانها. حتى من يقول سعيه أنه لا يريد تملّك من الشيء شيئًا فأنه تلقائيا يطلب تملّك نقيضه. حتى في الأفكار نحن لا نستطيع العيش بوعي من دون تملّك فكرة ما عن شيء ما في كل لحظة وعي تعيشها لحظتنا. ما معنى أن نعيش بوعي من دون وجود فكره تفرض علينا أن نتملّكها لتتملّكنا؟! عندما نهرب منها نتجه لنقيضها لا أكثر. التملّك دلالة على وجود فقر.. لكن لا مهرب من فعل التملّك نفسه. التوق للتملّك دلالة على وجود فقر بالأحرى. ما معنى هذا؟ الإنسانية توق في جوهرها؟! الإنسانية في جوهرها توق للكمال؟ بمعنى أن الكمال هنا اقرب لعدم الشعور بالتوق وعدم التأثر بأمره؟ ماذا يتبقى من لون الحياة من دون توق؟ ماذا يتبقى من العالم من حولنا وداخلنا من دون توق يحرّك بناءه الداخلي؟ ولكن بهذا المعنى التوق يصبح بمعنى القوة أيضا؛ القوة تحرّك البناء الداخلي للعالم. هل تعريف القوة هنا يصبح مماثلا لمعنى التوق؟ هل كنا نستخدم مصطلح القوة للتغطية على أمر آخر؟ أمر آخر من غير المحبب كشف لونه جهارًا؟ الحب.. القوة.. الحياة.. العلاقات.. كل التفاسير.. تصبح مجرد توق لا أكثر. توق للكمال.. الذي هو بنفسه مجرد وجه آخر للتوق! الفكرة دارها النص.. والشعور من أهل النص. مجاز النص.. مجاز الفكر. عند هذه الحدود يصبح بالإمكان تحطيم كل التعاريف وكل الأنظمة الظاهرة. ولكن سيظل هناك شيء عصي على التحطيم.. "حقيقة" وجود ما لا يمكن تعريفه؛ ذات تقع خارج كل دوائر التعاريف، فالتعاريف قيود وسجون. بالأحرى ذات لا يمكن الاقتراب من كينونتها، لغة أو شعورًا أو بأي ريشة رسم بشرية تقع ألوانها في دائرة الوعي أو بالقرب من سطحها الظاهر؛ مجرد محاولة الاقتراب منها عبر هذه الطريق يعني هدم الطريق نفسها المؤدية إليها وطمس معالمها. لماذا أكتب كل هذا وكل ما أردت الحديث عنه كان موضوع التمّلك ببساطة؟ التعريف بالشيء مرآة له في أفضل ظاهر الأحوال.. نحن مرآة نفسنا وهي مرآة لنا.. سجنها من سجننا.
زكي مبارك