الموج القادم
عندما نربط الشعور المحبّب مثل الشعور بالحب بالخير، ونربط الشعور المنفّر مثل الشعور بالألم بالشر، فإننا نستعمل الشعور/اللغة للتفريق بين شيئين ظاهرين بالنسبة لنا. هذا التفريق لا يدل على اختلاف جوهري في جوهر الشيء الذي نقسمه إلى شيئين متصارعين ومتضادين. اللغة تستخدم لوصف الحالة لتقسيم التفسير ولكن هذا لا يثبت وجود هذين القسمين. الشيء نفسه يمكن أن يقال بالنسبة للحقيقة العلمية، فوصف الظواهر عبر استخدام اللغة مثل الجاذبية والنور والظلام لا يثبت وجودهم في جوهرهم كما تراه حواسنا المتعددة والمختلفة في درجات نفاذ بصيرتها. ربطنا النهار بالخير والظلام بالشر ولكن هذا مجرد "حقيقة" لغوية وشعورية لا وجود لها في جوهر الشيء المقصود. كل التوصيفات العلمية والرياضيات مجرد لغة ونظام وصف لا أكثر، حالة تصويرية متخيّلة لما نعتقد بوجوده والذي لا ندرك وجوده على ماهيته الفعلية، وإن كان هذا القول لا يدل على عدم فائدة هذه الأنظمة في تسيير أمور تقدمنا واستمرار حياتنا بل هي من ضرورات الحياة في جوانب عديدة منها. لو نظرنا إلى الأمر من خلال هذه الرؤية فيمكننا القول أن كل الشعور والقوة والتفاسير يمكن ردها إلى شيئ جوهري أساسي واحد أو كلي نحن من نفرقه ونقسمه ونطلق عليه الأسماء وننعته بالمحبّب والمنفّر، بالخير والشر، وهلم جرى. اللاوعي واحد والوعي ألوان مختلفة لهذا اللاوعي الواحد.
***
لا يمكن لوم الإنسان على حلمه.. أو على شعوره
مثل حبه وبغضه، فالكل سواء من حيث الأساس! يمكن تعميم هذا الأمر ليشمل كل التصنيفات
اللغوية المرتبطة بالشعور والأفكار.. مثل الخير والشر كشعور يصف حالة شعور وكذلك
قول التكفير السياسي والفكري؛ (الغزالي يكفّر ابن سينا) في لغة سياسية موجهة للعامة وليس كلغة خاصة
بينه وبين من يكفّره؛ وكذلك بالنسبة للأديان والأفكار الكبيرة التي اكتملت دائرة نضجها، في حقيقتها واحدة
ولكن التفاسير المحكومة بدائرة الفهم أو عدم الفهم (السياسة – رسم وعي العامة) يحتّم الاختلاف والتنافر والتعارك حول هذه الألفاظ السياسية والدينية، حيث أن وعي العامة لا يستطيع الاستمرار في العيش في
عالم مجرد من الأفكار البسيطة المرتبطة بمفهوم الألوان، أبيض أو أسود وما بينهم من
درجات التي يشاهدها العقل المثقف. المفكّر الأعم الأشمل قد لا يرى أي لون! وبالتالي
تصبح السياسة كنظام تفسير وتحريك نتيجة لهذا القصور العقلي الحاكم وليست سببًا – نستخدمها كأداة تواصل كلغة ترسم الطبقات لا
أكثر.
الرمز الأعلى يستخدم كرابط جوهري لكل
التفاسير اللغوية (الشعور، العلم، التفكير، الإرادات،الخ) في دار العقل البشري هذا الرمز لا يمكن إدراكه على
حقيقته.
***
هذا الكلام والأهم منه تداعياته لم يعد سرًا بين الخاصة وسوف تصل أمواجه ساحل دارنا في المستقبل القريب.. السؤال ليس في أن كان يجب أخفاؤه أو تجاهله.. ولكن عندما يأتي لدارنا فما هو جوابنا.. هذا إن كان وعي شبابنا يهمنا أن يظل يستقي ألوانه من جذورنا!
***
هذا طيف خافت من رؤية جديدة للعالم أو هي تعيد بعث نفسها، حالها من حال أول عمر الرؤية العلمية للعالم التي تكتسح الوعي العالمي اليوم ونحن من مستقبليها ومن يعيد بث موجاتها ببراءة وسذاجة..الأولون كانوا يعرفون الكثير ولكنهم أيضا كان عندهم خيار الصمت. اليوم هذا الطريق لم يعد خيارا متاحًا لمدة طويلة قادمة..
***
هناك من يرى أنه لا يستطيع التعامل مع التفسير المبسّط للعالم بعد اليوم، وبالتالي اتخذ قرارًا بعدم الانغماس في تفاصيل التفاسير الواهية المتصارعة في عالمنا. هناك ما يستحق طاقة التفكير الأكبر والأهم من هذه القشور الذاهبة.
***
العلاقة مع المرأة بمثابة الحبل الذي يربطني بالسطح أعود له لأتنفس الحياة والهواء!
***
الغرب الفكري قد يبدو أنه يتقدم علينا في الرؤية التفسيرية لعالم الشّهادة، ولكننا ما زلنا متقدمون في الرؤية الأعم الأشمل.. عمقنا أوسع وأخصب وأهم - عين سادتهم اليوم على هذا الأمر وقلبهم، صمتهم شبه المطبق يكشف مخفي سعيهم!
***
يبدو لي أن سادة الفكر الغربي الحديث درسوا أسرار لغة الفكر في دارنا ودلالات ألفاظه، أو أن هناك علاقة بين جذور معارف اليونان القديمة (ما قبل عالم سقراط وأهله) شبه المندثرة اليوم
في عالم الغرب ومن دار في فلكه، وتعاليم الشرق ودارنا.
***
جلّ الفكر البشري المحلّق محاولة لعلاج الذات لذاتها - جانب من خطورة أمره خفي موجه!
زكي مبارك