الشرعية الديمقراطية.. أكذوبة الحداثة الأوروبية
الحداثة الأوروبية ترى بعدم جدوى الأديان كحل
لتسيير شؤون البشر وتنزع عنها صفة المرجعية العليا للقيم والمفاهيم الإنسانية، ثم تأخذ على عاتقها وضع قواعد بناء من قبيل المساواة والعدالة
والدولة المدنية والديمقراطية والحقيقة العلمية لتسيير شؤون البشر. هذه المفاهيم
التي تعتبرها الفكرة الأوروبية قواعد يقوم عليها منطقها وبنائه لا تقف على قاعدة سوى قبول الاكثرية العددية
كشرعية لوجودها واختبار الزمن القصير نسبيا بالنسبة لعمر الحضارات والثقافات كدليل على صحتها. من
يعرف كيف يتشكّل رأي الأغلبية يدرك أن هذه القواعد في الأساس من نواتج عقول لا
تمثل حسب قاعدة القبول الشعبي سوى رأي أقلية يتقلص عددها إلى عدد أصابع اليدين أو
اليد الواحدة. هي قواعد من نتاج عقول ذكية ديكتاتورية متخفية تلبس لبوس الأكثرية.
من دون شرعية الأديان تذهب قدسية المفاهيم التي يتبناها هذا الفكر فلا وجود لعدالة
بحد ذاتها ولا خير ولا شر ولا حقيقة علمية بحد ذاتها. هذه اليقينية المزيفة ليس لها حق وضع نفسها كرب جديد للبشر وليس لها حق إسباغ القدسية العلمية على مفاهيمها. لمن لم يدرك حتى الآن ما يحدث سيكتشف بعد مرور بعض الوقت أن العلم نفسه يقف اليوم عاجزا عن فك طلسم أسمه اليقين. ولكن من الواضح أن أنبياء الحداثة الأوروبية يستعيضون بدلا من ذلك بقدسية مبنية على مفاهيم معلقة في
الهواء يسبغون عليها قدسية أكذوبة أسمها الأكثرية الديمقراطية. في هذا الحداثة الأوروبية تبني قواعدها
على منطق لا منطق له سوى هوى العقول الفلسفية الديكتاتورية وإن صدقت نوايا منتجات عقولهم
خلف سذاجة تفكيرهم الجديد أو زيف تخطيطهم الأجوف - أكذوبة تكذب على نفسها.
زكي مبارك