تجمع الوحدة الوطنية... مطالب مشروعة وهواجس مرفوضة
تجمع الوحدة الوطنية البحرينية
زكي مبارك
بعد أن قام مجلس النواب وبالتحديد كتلة المستقلين بتمرير الميزانية للعامين القادمين من دون تضمين البند المتعلق بزيادة الرواتب ومن دون أي ضمانات أو تعهدات من الدولة، متمثلة بجهازها التنفيذي لطرح هذا الموضوع الهام في المستقبل المنظور، يمكن ملاحظة سريان شعور عام مرتبك بين جموع أهل البحرين الشرفاء فيه خليط من مشاعر خيبة الأمل والشعور بالذنب وحالة من عدم التركيز والتيه في تحديد الأولويات. هناك شعور من خيبة الأمل من ما فعله النواب المستقلين الذين انتخبهم الناس طلباً للاصلاح والتغيير، والذين ظنوا فيهم القدرة على التحمل والجلد، والاستعداد لحمل الامانة الثقيلة المتمثلة بالدفاع عن مطالب الناس المشروعة. وهناك أيضاً شعور داخلي بالخجل عند البعض من مخافة نعتهم بقلة الوعي والعاطفية الزائدة اذا استمروا في الاصرار على ترديد المطالب المعيشية المشروعة في هذا الوقت وفي ظل حالة السلامة الوطنية وقوانينها. هذا الشعور المرتبك مرده في الاساس محاولة البعض الخلط بين الصرامة والجدية المطلوبة في هذا الوقت لتطبيق القانون وحفظ أمن البلد كأولوية من أولويات الدولة، وبين احتياجات الناس المعيشية المشروعة والمعروفة، وكذلك مرده تبني بعض أعضاء البرلمان لوجهة النظر الحكومية وتجاهل رأي عامة الناس.
بعد حالة الترقب التي عمت البلد في انتظار نتيجة نقاشات البرلمان لموضوع الميزانية العامة وبعد ان تم تمرير الميزانية بالصورة التي حدثت، أخذت شريحة كبيرة من الناس تتسائل باستغراب واستنكار للكيفة التي تجرأ من خلالها النواب المستقلين على تجاهل مطالب ساندها مئات الألوف من الرجال والنساء في تجمع الفاتح خلال وقفتهم التاريخية المشهودة في شهري فبراير ومارس من هذا العام 2011، وبدأ البحث عن الجهة التي دفعت هؤلاء النواب لفعل ما فعلوه، وتوجهت الأعين والقلوب تتلمس موقف تجمع الوحدة الوطنية من هؤلاء النواب المستقلين الذين تجاوزا من خلال قرارهم هذا المطالب المشروعة لأهل البحرين الشرفاء. وبدأ البعض يتسأل إن كان هؤلاء النواب المستقلين مازالوا يتحركون ضمن اطار تجمع الفاتح أم أنهم اختاروا لأنفسهم طريقاً مختلفاً لا يمثل مطالب الناس المتفق عليها.
المسألة لا يمكن حصرها في مسألة زيادة في الرواتب فقط ومطالب مادية بحتة، بل يمكن تعميمها بالقول أن النواب المستقلين لم يحترموا مطالب مئات الألوف من الناس الشرفاء والمواليين للحكم والذين ثبتوا وقت الشدة ونجحوا في اختبار الثقة التاريخي. النواب المستقلون اختاروا لأنفسم التصرف بمطلب مهم وجوهري من مطالب الناس من دون الرجوع لمن اوصلهم الى قبة البرلمان، ويبدو أنهم تبنوا وجهة نظر الرسميين في الحكومة كاملة واستهانوا بوجهة النظر الشعبية التي لا تقل أهمية في منظومات الدول التي تسير في خطى الديمقراطية، والنتيجة أنه وبسبب هؤلاء النواب المستقلين والذين ظهروا وكأنهم حكوميين اكثر من الحكومة ورسميين أكثر من أجهزة الحكومة، بدأت الناس تشعر بأنها خدعت من قبل الاشخاص الذين خولتهم الكلام بإسمها وحملتهم الامانة عن ثقة وأمل.
قبل أشهر قليلة ما كان لأحد أن يسمع مطالب واضحة وجهورة لجماعة الفاتح لانه وببساطة لم يكن لهم وجود وحضور واضح على الأرض - اليوم تغيرت الامور. الشعور الطاغي الأن أن نواب كتلة المستقلين في البرلمان تلاعبوا بمشاعر الناس في فترة الانتخابات ولبسوا ثوباً أكبر من مقاسهم، ومن أنهم الآن لا يجرؤون على الخروج علناً ومواجهة الناس بما فعلوه واقناعهم بصحة ما قرروه. التصريح الذي نشرته الجرائد كرد من كتلة المستقلين بخصوص تمرير الميزانية حمل نكهة التصريح الرسمي أكثر منه التصريح النيابي المتبني لمطالب الناس المشروعة والمفهومة.
بكل وضوح يمكن القول أن الناس انتخبوا المستقلين طلبا للاصلاح وسعياً للتغيير نحو الافضل ولتوكيل من يمكنه تمثيل رغباتهم وطلباتهم تحت قبة البرلمان بصورة افضل مما كان، ولكن يبدو أن حسابات الناس كانت خاطئة في هؤلاء النواب، وأن الحكومة استغلت ضعف وهشاشة ممثلي الشعب هؤلاء لتمرير خططها ومشاريعها الرسمية من دون ممانعة برلمانية فعلية ومن دون رغبة حقيقية للاستماع لمطالب مشروعة وصلت لمسامع الحكم في ساعة الشدة والامتحان.
البعض أخذ يقول أن هذا الوقت ليس وقت مطالب معيشية بل الاولوية للأمن والاستقرار وكأن المطالب المعيشية المشروعة تهدد الأمن والاستقرار وفي هذا خلط للأمور. حيث لم يتم شرح كيف يمكن لمطالب أهلية مشروعة ومعترف بها من قبل النظام أن تهدد الأمن وتزعزع الاستقرار. ما حدث في البحرين خلال فترة الأحداث المؤلمة لم يكن مطالب مشروعة متفق عليها ولم يكن ثورة شعبية متوافق عليها كما هي في بعض البلدان العربية الأخرى، بل كان تحرك انقلابي حاقد ملغم بالاجندات الخارجية الخطرة. وما نتكلم عنه الآن فى الشأن المعيشي هو حق مشروع ومطالب واقعية وصلت لمسامع الحكم من خلال بيان موثق صوتت عليه حناجر مئات الالوف الذين احتشدوا في ساحات الفاتح ووقفوا بالشوارع المؤدية اليها وفي المناطق المحيطة بها . فلا مجال هنا لخلط الأمور وبعث شعور الذنب في أنفس من صدق في وقفته الوطنية الشريفة وصرح بمطالبه المشروعة بكل وضوح وصراحة صادقة.
البعض يقول أن البرلمان مرر الميزانية من قبل نواب في البرلمان انتخبهم الشعب بحرية فلا لوم على الحكومة إن أساء النواب استخدام الصلاحيات التي وضعها الدستور بين أيديهم وفرطوا بحقوق من أوصلهم لتحت قبة البرلمان. وهذا قد يكون في ظاهره صحيحاً لو كان الامر يتعلق برمي المسؤوليات والتبعات على اختيارات النواب الذين لبسوا ثوب الحكومة الرسمي في ساعة كانت الأبصار تتجه نحوهم لسماع ما تم الاتفاق عليه من قبل الناس الشرفاء. ولكن يمكن ملاحظة أن الحكومة غضت البصر من ناحيتها عن هذا الأمر حتى لا نقول شجعت عليه، والنتيجة المترتبة على تهميش النواب المستقلين لمطالب الناس وتشجيع الحكومة لهذا الأمر هو أن الناس الان بدأو يتجهون بكلامهم للحكومة مباشرة ولرأس السلطة مما يعقد الأمر اكثر ولا يساعد على سير امور التشريع بالسلاسة المطلوبة والمرجوة. وهذا ما كان مطلوباً من حكومة ذات خبرة طويلة في ادارة الامور تداركه وعدم التورط فيه حتى ولو غاب عن نظر من كان يجب علية لبس قميص المحامي الأمين والمدافع عن مطالب الناس واعني هنا نواب البرلمان ذاتهم.
وهناك من يقول أن زيادة الرواتب ستترتب عليه زيادات في تكلفة السلع، وهذه قد يكون صحيحاً أيضاً. والصحيح كذلك أنه بسبب بعض السياسات السابقة ارتفعت الأسعار وتكلفة المعيشة من دون زيادات تذكر في المعاشات والرواتب – هذا اذا استثنينا الزيادات التي طرأت على مكافأت النواب والوزراء وكبار القوم - حيث تم التركيز خلال الفترات السابقة على المشاريع الاستثمارية الكبيرة وتصوير قادة هذه المشاريع الاستثمارية كأبطال قوميين يحتفل بنشر صورهم على صدر الصفحات الاولى في الجرائد والمنافذ الاعلامية، وكأن اقتصاد الدول وحالة الرفاهية لا تقوم لها قائمة الا بوجود هؤلاء الأبطال الوهميين وان كل ما يقوم به بقية المواطنين يمكن ادراجه ضمن نطاق الادوار الثانوية المكملة للمشاريع الاقتصادية الاستثمارية الكبيرة والأساسية. وعليه اختفت صورة العالم المثابر في جامعته ومختبره وصغر شأنه وانحصرت أخبار الطبيب الاستشاري والمداوي في صفحات المحاكم واعتداءات الناس عليهم واعتداء الاطباء على الناس في ممرات المستشفيات المكتضة بالمرض وأهاليهم الغاضبين، وتلاشى الكلام عن حشود العمال المخلصين والموظفين الجادين الذين يسيرون شؤون الدولة كل يوم بصمت خلف الكواليس ومن دون هالات اعلامية تحيط بهم. والنتيجة كانت شعوراً خادعا زائفاً بالانتعاش الاقتصادي المغري والثراء السريع الظاهري والبهرجة الاعلامية الفاتنة مما أدى الى ارتفاع الاسعار وغلاء السلع في ظل جمود في المدخول على المستوى الشخصي لعامة الناس، مما شكل ضغطاً اقتصادياً فعلياً على مستويات معيشة المواطن القليل الحيلة الذي أصبح لسان حاله يقول العين بصيرة واليد قصيرة.
وهناك من يقول أن طرح المطالب المعيشية في هذا الوقت فيه تشتيت للجهود وتفريق للصفوف، ويضرب مثلاً في تماسك خطوط ما يسمى زوراً بالمعارضة في البحرين وتوحدهم دائما خلف راية واحدة ومقولة شخص واحد. ويمكن القول لهؤلاء أننا لا نتكلم عن من أراد بيع الوطن في ساعة الظلام ولا نريد أن نكون مثل من يتحركون على هوى كبيرهم في الحق والباطل – بل نقول أن الناس لها مطالب معيشية مشروعة ولم يتم التفاعل معها بجدية واضحة حتى هذه اللحظة، وهذا قول يستوجب توضيحه وتكراره والتأكيد عليه بلا خجل ولا عقد نفسية باطلة.
ولمن يقول أن هناك عجزاً في ميزانية الدولة ولا يمكن رفع الرواتب في هذا الوقت لأسباب اقتصادية بحته، نقول له أن الناس يمكن أن يتفقوا معك في هذا الرأي لو أن هذا الأمر والمسعى التقشفي سوف يطبق على الكل من كبير القوم وصغيرهم فيشمل الكل ولا يخص بعض الناس ويستثني اناس آخرين. ولكن هل هذا فعلا ما يحدث الان أو حدث سابقاً؟ الناس ترى وتشعر بالامتعاض، وبمعنى آخر أن الناس غير مقتنعة اطلاقا بالتبرير الرسمي لرفض الزيادة في الرواتب المندرجة ضمن المطالب المشروعة والمتفق عليها من قبل أهل البحرين الشرفاء.
أخيرا بخصوص الجهة التي تبنت مطالب الناس وسعت مشكورة لتوصيلها إلى مسامع الحكم، الجهة التي كسرت مواعين الصفويين في البحرين وفضحت مخططاتهم الشريرة، وأعني بها جهة تجمع الوحدة الوطنية، فيمكن القول انه لو حدث تهاون في ردة فعل التجمع بخصوص هذا الشأن المعيشي الهام في هذه الفترة الحساسة فقد ينصرف الناس عن تجمع الوحدة الوطنية وستكون النتيجة إضعاف لشوكته وتشتيت لشمله، وهذا بالضبط ما تريدة أطراف حاقدة تراقب هذا الأمر وهي تراهن وتمني النفس أن تكون حشود الفاتح حالة طارئة ولحظية ومن أن الجموع سوف تعود إلى سباتها ولا مبالاتها للشأن العام من جديد. ويمكن الإضافة أن الدولة لا بد ومن دون أدنى شك أنها تأخذ جدياً موضوع تحرك وردة فعل تجمع الوحدة الوطنية وستراقب تفاعل الناس مع الموضوع والكيفية التي ستدير قيادات التجمع هذا الملف الساخن، حيث يتيح هذا الموضوع للدولة فرصة لقياس قوة تجمع الفاتح الحقيقية في هذه الفترة ويمكن اعتبار موضوع الميزانية هو الاختبار الذي ستستخدمة الدولة لتسجيل هذه النتائج.
https://twitter.com/#!/zaki_mubarak