الكلام عن الصدق والكذب
في دائرة الفكر الأعمّ والأشمل، الكلام عن الصدق والكذب في داره له بعد آخر، بالنسبة لأهلها امتحان الصدق يأتي ويتمثّل في مدى القدرة على الاعتراف بما يدور في دواخلهم بأقل قدر ممكن من الكذب؛ مع مرور الوقت يقل عدد من يمكن الاستماع اليهم من دون كشف فاضح كذبهم، والوقت هنا ليس بالساعات أو الأيام. في قساوة صدق هؤلاء على أنفسهم أولًا وأهل محيطهم تكمن خطورة خفي موجهم. حيث أنهم يكتبون كحالة فهم ينمو، يتغير، ويتشكل وبالتالي يقبل التناقض وعدم التناسق بين مراحل النمو المختلفة كطبيعة تتشكل ألوانها. من لديه عقل مفكر بالفطرة سيجد صعوبة بالغة في تناسي من يكذب عليه متعمدًا أو بسبب عدم فهم عميق في دار القلب الذي يقف في مواجهته. مثلا: كنت أود الاستمرار في قراءة كتب الغزالي بنفس الشغف الأول، أحب أن اقرأ للغزالي لا زلت، وأحاول إيجاد بعض الوقت لقراءة كتبه، ولكنه يقول أن هناك ما لا يمكن قوله للعامة في الكتب. هذا القول يجعل من محاولة تقبّل ما يكتبه أكثر صعوبة ليس من حيث وجوب التبيّن من صحة قول بيانه، ولكن من حيث انه يقول أن عميق الفهم يتوجّب البحث في جوانب تفسيره كمسؤولية شخصية ثقيلة تقع على عاتق كل مرحلة زمنية قادمة. هناك اليوم من لم يضع هذه الحدود لنفسه وبالتالي، يصبح ما يكتبه أكثر مصداقية ممن يرى أن ما يكتبه هو في الأساس للعامة وهنا أقصد بالعامة جمهور الدارسين والمثقفين! المسألة لم تعد اليوم مسألة شعور خاص وتجربة ذاتية تحتمل الصمت والإخفاء. الكلام خرج إلى العلن، وفي محاولة إخفائه عبر تجاهل أمره، لا يعني ذاك الذي نطق رسمه من شيئ.. الوقت كفيل ببعث الروح فيه ولو بعد حين.. وهذا ما يحدث اليوم في الدوائر الفكرية الأصغر. هناك من يكتب بأسلوب الرواية أو الحديث على طرف شخص آخر، وقد يكون أكثر صدقا من الأول، ولكنه لا يتكلم بلسانه هو: لا يجرؤ على فعل ذلك. الصدق هنا تصبح خطورته أكثر من الكذب في هذه الدائرة من الفكر. ماذا لو قرأت رواية عن الحب مثلا والشعور به وبعد المرور بتجربة شعورية فعلية اكتشفت زيف أكثر ما قالته تلك المؤلفة أو الكاتب مثلًا؟!
النسبيّة في الصدق لا مفر منها، ولكن هناك من سيكتشف أدق تفاصيل الكذب الخفية مع مرور الوقت. الصدق هنا ونسبته ستعمد على تأخير هذا الكشف، وبالتالي من يصدق أكثر قد يستمر في الكذب لمدة أطول!
لا استطيع أن أقرأ لمن لا يفهم عما يكتب.. وهنا أقصد أنه لا يفهم الأسس التي تقف عليها أعمدة فرضياته. عندما يتحدث أحدهم مثلا عن الإنسانية أو الحب، ولا يجرؤ على تعريف ما يتكلم عنه بصدق، أو أنه يجهل تماما جزء رئيسي عن ما يتكلم عنه، يصبح الاستمرار في الاستماع عملية تعذيب لا داعي لها! لا أتصور ولا أتمني أن يكون الكل في هذا سواء، ولهذا هناك دوائر فكر، كمسارات الفلك، من يرتفع إلى فلك أعلى يصبح من الصعب عليه العودة والرجوع. الصدق على قساوته، مفتاح للخروج إلى فلك أبعد، وقطع الصلة مع عدد أكبر من العقول (الكاذبة). السؤال من يجرؤ على النطق بالصدق على لسانه أكثر من غيره وتحمل عقبات فعله!
سؤالي لماذا تريد المرأة دخول هذه الدائرة، ولذلك قلت مرة لا يمكن أخذ فكرها بجدية! وكنت اقصد دائرة من الفكر الأكثر صدقًا. لا مكان للصدق التام، إنما أقول الاقتراب منه إلى أقصى حد ممكن. يمكن للمرأة مجاراة الرجل في ذلك بعد تقدمه خطوة إلى الأمام. المرأة اليوم تعرف الكثير، ولكنها تأخذه من الرجل الذي تقدمت خطواته أولًا وبالتالي بنى النظام الفكري الحاكم في جدران وعي اليوم.
زكي مبارك
في دائرة الفكر الأعمّ والأشمل، الكلام عن الصدق والكذب في داره له بعد آخر، بالنسبة لأهلها امتحان الصدق يأتي ويتمثّل في مدى القدرة على الاعتراف بما يدور في دواخلهم بأقل قدر ممكن من الكذب؛ مع مرور الوقت يقل عدد من يمكن الاستماع اليهم من دون كشف فاضح كذبهم، والوقت هنا ليس بالساعات أو الأيام. في قساوة صدق هؤلاء على أنفسهم أولًا وأهل محيطهم تكمن خطورة خفي موجهم. حيث أنهم يكتبون كحالة فهم ينمو، يتغير، ويتشكل وبالتالي يقبل التناقض وعدم التناسق بين مراحل النمو المختلفة كطبيعة تتشكل ألوانها. من لديه عقل مفكر بالفطرة سيجد صعوبة بالغة في تناسي من يكذب عليه متعمدًا أو بسبب عدم فهم عميق في دار القلب الذي يقف في مواجهته. مثلا: كنت أود الاستمرار في قراءة كتب الغزالي بنفس الشغف الأول، أحب أن اقرأ للغزالي لا زلت، وأحاول إيجاد بعض الوقت لقراءة كتبه، ولكنه يقول أن هناك ما لا يمكن قوله للعامة في الكتب. هذا القول يجعل من محاولة تقبّل ما يكتبه أكثر صعوبة ليس من حيث وجوب التبيّن من صحة قول بيانه، ولكن من حيث انه يقول أن عميق الفهم يتوجّب البحث في جوانب تفسيره كمسؤولية شخصية ثقيلة تقع على عاتق كل مرحلة زمنية قادمة. هناك اليوم من لم يضع هذه الحدود لنفسه وبالتالي، يصبح ما يكتبه أكثر مصداقية ممن يرى أن ما يكتبه هو في الأساس للعامة وهنا أقصد بالعامة جمهور الدارسين والمثقفين! المسألة لم تعد اليوم مسألة شعور خاص وتجربة ذاتية تحتمل الصمت والإخفاء. الكلام خرج إلى العلن، وفي محاولة إخفائه عبر تجاهل أمره، لا يعني ذاك الذي نطق رسمه من شيئ.. الوقت كفيل ببعث الروح فيه ولو بعد حين.. وهذا ما يحدث اليوم في الدوائر الفكرية الأصغر. هناك من يكتب بأسلوب الرواية أو الحديث على طرف شخص آخر، وقد يكون أكثر صدقا من الأول، ولكنه لا يتكلم بلسانه هو: لا يجرؤ على فعل ذلك. الصدق هنا تصبح خطورته أكثر من الكذب في هذه الدائرة من الفكر. ماذا لو قرأت رواية عن الحب مثلا والشعور به وبعد المرور بتجربة شعورية فعلية اكتشفت زيف أكثر ما قالته تلك المؤلفة أو الكاتب مثلًا؟!
***
النسبيّة في الصدق لا مفر منها، ولكن هناك من سيكتشف أدق تفاصيل الكذب الخفية مع مرور الوقت. الصدق هنا ونسبته ستعمد على تأخير هذا الكشف، وبالتالي من يصدق أكثر قد يستمر في الكذب لمدة أطول!
***
لا استطيع أن أقرأ لمن لا يفهم عما يكتب.. وهنا أقصد أنه لا يفهم الأسس التي تقف عليها أعمدة فرضياته. عندما يتحدث أحدهم مثلا عن الإنسانية أو الحب، ولا يجرؤ على تعريف ما يتكلم عنه بصدق، أو أنه يجهل تماما جزء رئيسي عن ما يتكلم عنه، يصبح الاستمرار في الاستماع عملية تعذيب لا داعي لها! لا أتصور ولا أتمني أن يكون الكل في هذا سواء، ولهذا هناك دوائر فكر، كمسارات الفلك، من يرتفع إلى فلك أعلى يصبح من الصعب عليه العودة والرجوع. الصدق على قساوته، مفتاح للخروج إلى فلك أبعد، وقطع الصلة مع عدد أكبر من العقول (الكاذبة). السؤال من يجرؤ على النطق بالصدق على لسانه أكثر من غيره وتحمل عقبات فعله!
***
سؤالي لماذا تريد المرأة دخول هذه الدائرة، ولذلك قلت مرة لا يمكن أخذ فكرها بجدية! وكنت اقصد دائرة من الفكر الأكثر صدقًا. لا مكان للصدق التام، إنما أقول الاقتراب منه إلى أقصى حد ممكن. يمكن للمرأة مجاراة الرجل في ذلك بعد تقدمه خطوة إلى الأمام. المرأة اليوم تعرف الكثير، ولكنها تأخذه من الرجل الذي تقدمت خطواته أولًا وبالتالي بنى النظام الفكري الحاكم في جدران وعي اليوم.
زكي مبارك