الخوف يبني "حضارتنا"
لسبب ما.. في لحظة من لحظات عمرنا.. نعتقد أن
"الحاكم" لديه القدرة على فهم كل الأمور وتغيير كل الأمور، وأن ما لم
يغيره، إنما فعله عن عمد وتقصّد، وأنه يعلم ما لا نعلم، ويقدر على فعل ما لا نستطيع
فعله – علاقة الولد الصغير ونظراته البريئة تجاه أباه الذي يرى فيه عكس كل ما فيه
من ضعف وخوف وعدم قدره على الفهم أو التصرف، وإن كان لا يعي ذلك بكامل وعيه..
في الثورة – سن المراهقة مثلا – ينتفض الأبن
على أباه لعجزه عن "فعل ما كان ولا بد أن يفعل".. يتم الإطاحة به من فوق
عرشه.. لوضع "أب" آخر يستطيع فعل ما يقول.. في جل الأحوال لا نريد
الإعتراف أن الخطأ في تقدير الأبن عندما اعتقد فيما اعتقد وليس بالضحية التي اسميناها
الأب الذي عجز!!
في لحظة من العمر.. واللحظة زمن نسبي.
***
الهروب في نسبية اللحظة.. غشاء وقناع عن
حتمية اللحظة.. لحظة الموت نفسه.. الهروب في تفاصيل اللحظة.. هروب من واقع وضوح لحظة
الموت وعدم غموض لحظة قدومه بين الشك واليقين..
في "اليوم".. في لحظة اليوم "الماضي"..
نعيش الحياة بعيدًا عن لحظة الموت القادمة من جهة المستقبل.. الخوف يحكم عالمنا..
الخوف من رهبة اللحظة.. في كل ساعة وكل دقيقة.. نحتاج إلى من يذكّرنا أن لحظتنا لم
تأتي بعد.. أننا ما زلنا نعيش اللحظة، ومن أن اللحظة لم تغادر دارنا – الوعي باللحظة..
الوعي بلحظة الموت.. سبب معاناة البشر!
(وسبب ظهور الوعي؟). الوحدة المنعزلة على ذاتها طريق اقرب إلى العيش في لحظة ترقّب
الموت.. قد تدفع بالقلب أن يصبح وحشا.. والجماعة حماية أو تخفيف من وطأة واقع حتمية هذه اللحظة..
لهذا الإنسان في كيانه وجوهر تفكيره إنسان اجتماعي.. إنسان يهرب من وحشية اللحظة..
يهرب من أصله المتوحش في وحدته مع لحظة الموت.. في هذا تطورت الحضارة .. الجماعة..
ونمت عندما وجدت طريقة لنزع أنياب الوحشية من لحظة الإنسان، من عقل الإنسان، من
وعيه، من قلبه، أو هكذا كان المسعى. في
هذا هو ليس ما كان يوما، لأنه خاف من نفسه، فامتدت يداه لمن يحميه من نفسه - وضع
نفسه في القفص وأغلق عليها الباب وقد يكون نسى أين وضع المفتاح.
زكي مبارك