واسع جهلنا
عندما ننظر للأمور من مقياس وعينا، نصبغ
عليها صفة العظمة أو التفاهة، وصف الكبر أو الصغر، رسم الجميل أو القبيح، شعور
الحب أو البغض، حدة الوضوح أو الإبهام، بعد المسافة أو قربها، كمال الصنع أو عيبه،
منطق العقل أو عكسه، حال القوة أو الضعف، لون الشمولية أو الجزئية، مسعى النجاح أو
الفشل، خيط الأبيض أو الأسود، سعة الأفق أو ضيقه، إحساس الألم أو الفرح، ادراك
القوة أو الضعف... نرسم حدًا فاصلًا بين الوصف ونقيضه، بين الشئ وعكسه بين الأزلي
واللحظي بين الحقيقة وباطل الخيال، بين الثواب والعقاب بين الحب والكراهية.. في ثنائية
نحتاجها لنفهم مكوناتها بين الأنا والأنتم، بين الموضوعية والعاطفة، نحتاج هذه
الثنائية لوصف ما ندرك، وليس بالضرورة لفهم الثنائية نفسها والوقوف على ناصيتها
على أنها واحد وعلى أنها الكل في ذات الوقت، متضادان، في جوهرهما متوافقان ومتحدان.
سهل أمر الحكم والجزم في حالة التضاد والتنافر وصعب فعل النظر في دائرة المركزية وعدم البصر
او هكذا يبدو الحال.. أو هكذا يخال لمن سلك درب البحث عن الأمل.. مسعى فهم الحياة كما
هي وليس فهمها من خلال منظور وعينا وألم شوقنا وفرح لحظتنا. هي حالة تستدعي النظر
بمقياس غير مربوط بفعل النظر كما نعرفه وندركه على مستوى الوعي الظاهر.. ففي الوعي
مشهدا مُدركا قائم على جبل لم يُدرك ولم يُعرف مدى امتداداته. في هذا جهلنا في أول
حياتنا وفي ذروة حكمتنا التي يتوسطها ادعاء فهم معرفتنا لمجهول أمرنا!
زكي مبارك