بناء
الفكر
ما
يشهد به وعينا تم بناء جله في لحظة سابقة لتجسده ظاهرا ورسمه من لا وعي باطنه، خُلق
في الأمس بعيده أو قريبه، ولا يمكن حل رباط
طلسمه الأول من منظور لحظة تلقيه وعكسه على مرآة وعي الحاضر المحسوس
والمدرك. في غالب شأننا نعيد بث الإشارة وإن أومأت لنا المرآة أنه ابداع على غير مثال
سبق. شهادته نفسها تقف عائقا عن رؤية ما ورائه، ففيه من جهة إنعكاس لفهم ظاهر استقر، ومن ناحية أخرى عزل عن إدراك
لا واعي لإحتمال تجسده أو انغلاقه على نفسه. الكيان الفكري الذي في حال التطور
والتشكل فيه من حال التأثر بما تشكل ووصل إلى الوعي من فكر ورأي وتصور وإن لا يمكن
إثبات ذلك حتي يستحيل إلى فكرة أخذت لها بعدا في ذهننا. اللا وعي يظل هائما في
احتماله حتى يُأسر فكرة وعت نفسها وتجسدت برمز يفك حِرْز كيانه
الأول ويدفع به إلى دائرة الوعي المدرك ويحيله لغة مفهومة. عندها يمكن نظريا الشروع
بمحاولة التأكد من كون الفكرة لم تخلق في لحظة سبقت زمن ولادتها في عقل صاحبها التي
أباحت له بوجودها. في لحظة الولادة نجد أن الخلق الجديد خليط من سابقه خاضع لتاريخه
في الغالب الأعم، حتى تبرق في سماء الإبداع عين وعت لما لم يُدرك في كل ما سبق من
تاريخ الفكر، أو لمحت لحظة وجود لم تتجسد وعيًا فيما سبق، أو أعادت بعث وجود غاب
في متاهات اللا وعي دهرا طويلا . هنا يمكن الإدراك أن ما نعيه وننطق به قد يكون
وعيا نكرره بعد انعكاسه وفي هذا غالب الاحتمال ويسير منه يكون نابع من بئر جديدة
لم يشق لها وعي سابق عن طريق وفي هذا تحدى
الوعي ذاته لحقيقة أصالة وعيه. هو اذا صراع بين جديد الوعي وقديمه متخف ومستمر
يثير الإعجاب في كينونة الوعي وسر تكونه وعمق جذوره. الفكرة كمخلوق لا تأتي من عدم
أو خلاء بل تتشكل على هيئة لون لم يرسم من قبله، أو درجة جديدة للون ساطع، ولكنه في كل الأحوال الأول منه والآخر، لون
يستمد درجة موجته من سلطان قوة وجود هو الخالق الأعم والأشمل والاصل نفسه. وحتى
يثبت وجود كيان لا لون ولا رائحة لطعم القوة والقدرة فيه، سيظل هذا الامر مسلم به
ولو استكان الوعي لضعف غروره ونطق بعكسه هربًا من عجزه. لا وجود من دون قوة في
صميم وجوده وفي هذا وعي الوجود الظاهر ينطق.
الفكر
كأحد تجليات الوعي ورموزه، فعل تسلط يحتمل اعرابه فاعلا او مفعولا به فإن بزق
للوهلة الأولى في فكرة تجسدت للمرة الأولى أصالة وأبداع كان فاعل بأمر سلطان القوة، وإن انعكس عن مرآة
أخرى فهو مفعول به. الفكر هنا يصبح تجسيدا لكينونة القوة التى تلونت بشكله وانتقلت
في فلك الوعي حياة تعيش قوتها وتعترف بأصلها الأول وإن لم تقوله صراحة، به يتكرر
المعنى بكل لون ورائحة واحساس مدرك، حتى يتشكل في لا وعي القادم من الغد، ومن ثم
ينطق به خاضع خال أنه أخضع لا وعيه. في البدء تقف الأصالة خصما حتى تصطف مع
المولود الجديد المزعوم بعد إثبات أصالته وعدم زيف لونه، وفي هذا يتمثل ندرة وعبقرية
الإتيان بشيئ أصيل في جذره وليس تدرج جديد في لونه.
زكي مبارك