العصري
الرجل "العصري" بلغة اليوم المتسلّطة والحاكمة في جوانب وعينا وما دون سطحه القريب، رجل مريض في نواح رئيسية من كيانه بالضرورة، محروم من واسع قناة غريزته الأولى المتوثّبة خطواتها، وبالتالي مرغمًا هو في كره حبه، وفي صراع عميق ضميره مع شوق روحه! يأكله تأنيب الضمير قطعة قطعة. الحرية المزيّفة المعطاة له، (والحرية لا تُعطى!)، والمتاحة له في بلد الغرب وكل من سطعت عليه "شمس" الغرب وستسطع في باقي الدور الأخرى، محكومة بأفق سقف رسمه قلب تعب من الحياة، ووهنت باصرته من مشاهد فعلها. كيان مشرق خارجه، تنخر السوداوية جوانب قلبه والامتعاض، رجل بقلب مريض؛ ليس متيسرًا الطريق للرجل الذي كان يومًا قويًا بفطرته وغريزته وفرح خطوته، ذاك الذي في دائرة خدرها اليوم وجد نفسه، أن يأخذ زمام أمره هناك وهو في عسل مخدرها يتمرّق وعيه. الطريق لنصف الرجل ونصف المرأة، طبقة العبيد الأذكياء، اليوم مُعّبدًا؛ في هذا رسم لجانب من مرض الثقافة في تلك الدار وحضارتها التي فتحت لنفسها الباب في غفلة من الزمن، ونتيجة حتميّة للسبات الذي عم دار الشرق ودارنا تحديدًا على يد المجرم الأعمى في دارنا؛ جانب واحد هو من ذاك السقم المختبئة ألوان عقاربه في جوانب قيم عقلهم وقلب فكرهم ورسم حاضر وقادم فعلهم إلى حين. هذا ما يقرّ به الخاصة همسا فيما بينهم، ويحضّون على تصديره على نطاق واسع ومجاني، مغلفًا بالورد والياسمين لزوايا الأرض الأربع. طبقة العبيد الأذكياء في دارنا يلبسون رداء الفرسان المبشرين به، ومن خلفهم بغلهم المفيد! بالطبع هناك من ينتظر بهدوء وصمت اكتمال مقومات الحدث الذي تتوالى فصوله قبل بدء تحرّكه القادم؛ وفي هذا هو يعرف فن الانتظار الصامت!
زكي مبارك