مفترق طرق قادم
لست معنيّا بإثبات صحة وجهة نظر من منطلق التحيّز الأعمى أو الميل الحالم لها (قدر الإستطاعة)؛ أن أميل للفكر العربي القديم لأنني عربيًا، مثلًا، أو لأن لي مصلحة ذاتية فقط، وإن كنت لا أغفل أهمية هذا البعد، وسطوة فعله؛ أو أن أميل للفكر الرجولي لأنني رجلًا (وإن كنت لا أنكر ذلك كتوجه غريزي حاكم يتوجّب الوعي به). وجهات النظر، بناء الفكر، أنظر إلية من حيث كونه آلية للتفكير حاكمة في وعي البشر، بوعي أو لا وعي منهم، يخطّ قادم مسيرهم. وجهة النظر هنا تصبح طريق للمسير. يهمني جدًا معرفة جذور وجهة النظر هذه أو تلك، ولماذا أصبحت اليوم في وعينا فكرة منطقية لا تأخذ حيزًا واسعًا من دار تفكّرنا. بعد معرفة جذورها، يمكن الحكم عليها إن كانت تسير في سبيل ارتقاء الحياة أو تدهورها، في سبيل مرض الإنسان أو انتعاش أجنحة قلبه.
***
أصحاب الفكر المتحجّر في قالب تفسير قديم لم يُحسن قراءة تلويحات الإشارة، على موعد مع طوفان فكري قد تغرق فيه مراكبهم وأشبالهم. الشباب اليوم لديه القدرة على رؤية الكثير، ويتعرض قلبه لسطوة قبضات فكر (مريض في قلبه) يكتسح المنطقة. التصوّر أن في الإمكان صده ورده عبر التهويل والتخويف (فقط)، لن يجدي نفعًا في قادم الزمن. الإستعداد للفكر الخارجي وهجمته المؤكدة قد يكون عبر "فهمه" أولًا، وعبر دحر العقول المتحجّرة في دارنا (بعضها "تقدمي" حداثي بالمناسبة!). في جلّ ما أكتب، لا أكتب لهذا اليوم، ولا أخاطب من يعيش يومه في فعله وفكره معا - الثاني فعل قادم دومًا. هناك من يرى أن الحل السريع والرحيم يكمن في استيراد الفكر الخارجي، وهزيمة ذاك الداخلي "المتخلّف"؛ وبعضهم يعتقد أن المخرج هو أن نصنع سيارة مثل أهل اليابان - الأمر ليس بهذه البساطة. الخطوات الأولى على الطريق المؤدية إلى الإنفراج، أن نصنع ألوان حياتنا، مسار جديد فكرنا، وأن يكون متصالحًا مع جذرنا، مع أصلنا؛ بعدها نبدأ مسيرة تلوين الدار لحياتنا وأفقها! الهدف أن نكون سادة على أنفسنا بعد أن نفهم أكثر لغة همساتها؛ ليس بمعنى القدرة على كبح جماحها فقط، ولكن أيضا على إطلاق سراحها بهدف اكتشاف مخفي قدراتها! أتصوّر، على ضوء قراءات من ديار أخرى نسلك اليوم ذات سبيلها، أن شباب اليوم والغد، وإلى حين، سيكون له وجهان: واحد خارجي منافق، وآخر داخلي مهزوم وتابع للفكر الخارجي المريض في قلبه - والنفاق والتبعية ليسا من صفات السادة الأحرار.
زكي مبارك
زكي مبارك