قطْعُ الجذْر
كيف تقطع العقل عن جذره، عن أصله، عن دار أهل أهله؟ اجعله يفكّر بلغة غريبة على قلب أهله، أن يستشعر معالم العالم بلغة أجنبية أملس ملمسها مخفيّ نابها، بمفردات لغة غير معروفة جذورها محجوبة دارها؛ دعه يسير طريق "تقدّمه" في طريق ليست طريقه، اجعله يعمل لغير رأس صاحبه الذي يحمل قلبه، اجعله عبدًا ذكيًا عند سيد أجنبي خارج أسوار داره، أن يعمل مقابل سمّ يسري في دمه، أن يستلذّ طعم مرضه، أن يمجّد امتهان ذاته لذاته. ذاك للعدو أو من العدو أو الذي لنفسه عدو.
كيف تقطع العقل عن جذره، عن أصله، عن دار أهل أهله؟ اجعله يفكّر بلغة غريبة على قلب أهله، أن يستشعر معالم العالم بلغة أجنبية أملس ملمسها مخفيّ نابها، بمفردات لغة غير معروفة جذورها محجوبة دارها؛ دعه يسير طريق "تقدّمه" في طريق ليست طريقه، اجعله يعمل لغير رأس صاحبه الذي يحمل قلبه، اجعله عبدًا ذكيًا عند سيد أجنبي خارج أسوار داره، أن يعمل مقابل سمّ يسري في دمه، أن يستلذّ طعم مرضه، أن يمجّد امتهان ذاته لذاته. ذاك للعدو أو من العدو أو الذي لنفسه عدو.
***
من عوائق التقدم في الدار: اللغة عماد التحرر، اللغة دم الإنسان،
اللغة شعور الإنسان، اللغة لون حياة، كتاب الحياة. كيف لك أن تشعر بغير قلبك؟! أن
تكون ميكانيكيا في وجدان وجودك، أن تتحول إلى قطعة آلية بلهاء، أن تكون عبدًا ذكيًا لغيرك
مطيعًا، فرحًا، منتشيًا، أن تسير في طريق هلاك أصلك. كيف لك أن تكون عدوًا لجذرك، أن
تكون خنجرًا في ظهر قلبك. كيف يكون لك ذلك كله، إن لم يكن عقلك
ليس في عقلك!
***
العقل العربي
الذين تشكّل في دار الغرب عبر الأجيال الممتدة لطويل عشرات السنين، فعليًا أو افتراضيًا، في البيوت أو في المدارس أو حتى داخل المساجد والجوامع، هجر نوافذ عقله وحضر بدم الأجنبي المسمومة شراينه إلى دارنا وأورث السم اللذيذ خدره، لخلفه ومن سيأتى من بعده،
خطر يقف طويل ظله حاجزًا وحاجبًا أمام محاولات استشعار قلب صاحبه لمعالم طريق دربه!! جريمة السبات العميق تحتّم دفع الثمن إلى حين! ونحن أيضا من أهل داره!
***
هل
سألت نفسك عن سرّ استماتة الغرب في نشر لغتهم في البلاد التي
كانت يومًا تئن تحت وطأة الاستعمار والاحتلال المباشر - وباللغة أقصد نافذة رؤيتك للعالم ورؤيته لك، ذات تحضر مقابل ذات تحضر، تغيّر وتتغيّر. نحن لازلنا نعيش حالة
استعمار عقلي وقلبي، يحجب الرؤية، لم نتحرر منه فعليًا وليس بيدنا التحرر منه في الوقت المنظور. خطوة أولى هي وضع الأصبع على أليم الجرح، تحرير العقل، الشعور بالأصل،
التفكير من خلال بوابة القلب الذي ذات يوم حلّق جناحه إلى عالي المجد والسيادة، ترميم داخل البيت العريق - التطهّر من دنس سم الدم الأجنبي الذي يسري مرضه في العروق والأنفاس. إرادة ليس بالأمنيات وحدها دحرجة عجلتها - أشرس احتلال ذاك الذي داره العقل ووقوده نبض القلب الذي تاه عن قلبه، احتلال مرآة رؤيتك لكل ما حولك ونفسك، سمائك وأرضك! تفكيك هذ الاغلال الخفيّة، ودكّ جبال التزوير المتوارية أثقالها، مشوار طويل لجيل بعد جيل، ولكنه خط من نار يمدّ عروق الأمل والحياة بعاصفة روح لا تستكين.زكي مبارك