search

25‏/08‏/2012

عقولهم المقدس في ديارنا

عقولهم المقدس في ديارنا

من يقرأ قليلًا أو كثيرًا من نتاج الفكر الغربي خلال القرون القليلة الماضية، ويفهمه، ولا أقصد ذاك النتاج الأكاديمي البارد المحايد والخالي من نبض الحياة، سيلاحظ تعمد شبه تام من قبل تلك العقول لطمس جل أسماء المفكرين من الجضارات الأخرى وطمس لمعالم فكرهم. فعل لم يسلم من محرقتة الفكرية المتعمدة إلا النزر اليسير من الأسماء الخالدة التي لا يمكن إخفائها بحال من الأحوال، أو من اتفق نبض فكره من أهل الحضارات الأخرى ومسار أصول فكر ثقافتهم الأغريقية أو ما اتفق مع عموم بنائها أو مع الخطوط العامة لمسار المسيحية الأوربية التي أخذت اليوم لون الحداثة الجديدة المتدثرة بعبائة العلمانية.
وسيجد ربما
سمة طاغية في فعل تعمد سرقة الأفكارالكبيرة وأنظمتها من مصادرها من الحضارات الأخرى، بعد محاولة مسح بصمات واضيعها الأصليين، أو محاولة إخفاء سبل مصادرهم الحقيقية، أو عدم التطرق لهم سواء بالمدح أو الذم أو النقد المباشر أو الواهن الإشارة. في هذا الفعل يستوي جل سادة الفكر المحافظ والثوري التقدمي في دارهم والكنسي والإلحادي!
تلك العقول الغربية الراسمة تتكلم في أمور واسعة شاملة، تتعلق بأسئلة الحياة والوجود والقيم والأخلاق والأديان، ومستقبل الفكر البشري، ومسار قادم الحضارات. ولكن عندما يتعلق الأمر بموضوع الإنصاف الفكري والأدبي والأخلاقي و"الإنساني"، لا تجد لديهم من حس المسؤولية الأدبية بداهة الإعتراف بوجودٍ غير وجودهم على هذه الأرض. فعل قد يدل على لون النوايا المختبئة في لا وعي مسعى فعلهم إن لم يكن في الوعي المحسوس يسكن.
بالنسبة لهم الثقافات بدأت في اليونان القديمة التي لها جذورها في الهند القديمة، ثم امتدت إلى فترة الرومان، فظلام دامس في ديارهم، ثم فترة شروق جديدة على الأرض الاوروبية، أو ما نسميه اليوم بالثقافة الغربية المعاصرة. في نقاشاتهم وصراعاتهم واختلافاتهم وحروبهم الفكرية، كل تاريخ العالم الفكري يدور حول مركز وجودهم وفكرهم ورؤيتهم ورسالة قادم فعلهم.
فعل يشير إلى طبيعة فكر يتعالى على بقية البشر، حتى وإن سرق من الغير أفضل وأعمق وأخطر الأفكار التي اليوم يتغنى بها بعض المغرر بهم من أبناء دارنا على كونها خير نتاج أخرجته البشرية في الفترات الزمنية الحديثة وأفضل مرشد ومعين يأتي من صوبهم..!
فواحد مثل دانتي يسرق من مفكر وشاعر اسلامي جوهر فكرته وأسلوبه ليضعهما في "تحفته" الخالدة بعد أن ألبسها اللون الأشقر، وآخر يسطو على فكر أساسي يتعلق بألية التفكير التحليلي العميقي انبثق نورها من دار الشرق ليبثها في الدار الغربية بأسمه، ويتم ربط الفكر الذي تمكن اليوم من تسيد الساحة الفكرية المعاصرة بأسمه، وبالدار الغربية، وهو من نتاج ثقافة عربية اسلامية، ومن بنات أفكار مفكر إسلامي عريق، أسمه معروف في دارنا،  وآخر منهم وقد يكون أخطرهم، لم يظهر اسمه حتى الآن في أفق دارهم، ولازال فهم عميق فكره يدور في حلقات ضيقة عندهم، نجده من القرآن الكريم يبني نظرتة الشمولية والعميقة للحياة،  ويسرق من طريقة كتابة القرآن وترتيبه نظام لكتابه "الخالد" وكتاباته وشفار تعاليمه، ولا يأتي بما يشير إلى فعله ذلك صراحة بل يجعل بنائه الفكري الذي يبشر به قادم البشرية يقوم على قاعدة الإلحاد والهدم الشامل للمفاهيم الإنسانية كما فهمها أهله لا لشيء سوى تدمير مفهموم الأديان في دار حضارته أولًا والتي يقر بهزيمتها فكريًا،
ثم في ديار الحضارات الأخرى التي يعترف بتقدم بعضها فكريًا وثقافيًا، بهدف تسوية الأرض لدين جديد يأتي من دار أهل الشمال، بعد أن تعم الجاهلية الجديدة كل الديار، وإن لم يكشف عن ذلك بصراحة كاملة - فعل انتقامي منه صريح وواضح واعتراف أوضح بحال هزيمة أهل دمه فكريًا وثقافيًا! وعلى  هذا قس الكثير والكثير من شبيه الافعال بالنسبة لكنوز الحضارات الأخرى الفكرية!
لا غرابة حقيقية ، ولا دهشة حقيقية تسكن القلب في ما يفعلون بعد أن يعي هدف سادة فكرهم وحقيقة أمرهم، لكن ما لا يبعث على الإرتياح أبدا حال أنصاف العقول المنتفخة عندنا، عندما يتعلق الواحد منهم بأسماء هؤلاء وفكرهم تعلق التابع الضعيف بالمتبوع القوي، وخضوع الطالب الغر الجديد لعقل المعلم الكبير وسطوة هيمنته. والسؤال.. إلى متى
سنجد من جل "كبار" عقولنا التحديثيين من يمجّد اسماء هؤلا وكأنهم عقول مقدسة ويقع في شبك غرام ظاهر فعلهم كما تعشق المراهقة الصغيرة فارس أحلامها الكامل الأوصاف، والقادم من الخيال البعيد!  
 أي نوع من الذل والمهانة يسكن وسيسكن في قلوب هذه الأنصاف من الرجال، البائسة أوضاع عقولهم، التابعة جهود خطواتهم، والحقير فعل إرادتهم! 
أن تستزيد من المعرفة الفكرية العلمية وتطلبها من أي جهة كان مصدرها حق للإنسان في كل مكان، ولأهل دارنا ما للآخرين في هذا الأمر، ولكن ليس لنا أن نأخذها مع ألوان ثقافتها الأجنبية، من دون محاولة تفهّم جوهر نوايا فعل تلك العقول في دارهم ودار غيرهم، ومن دون محاولة تبيّن أهداف من يروّج لها بجد ونشاط في الأمس واليوم وغدًا، أو يعبث في محتواها الأصلي أو يحرّفه أو يخفى من أصولها الكثير والكثير، ويقدمه لنا على أنه هدية إنسانية منه لأخيه الإنسان في كل مكان.
لا أفهم كيف لسياسي مثلا أن يأتي بفكر سياسي أجنبي ليحاول زرعه على أرض أولاده من دون التيقّن من أهداف الفكر السياسي المستورد في المقام الأول - ولكل فكر سياسي غرض واضح وآخر مخفي.! فما بالك بمن يستورد من الأفكار الوجودية والحياتية أنظمة بناء كامله ليزرعها في عقله وعقول من وثق به على كونها خير بذور أوجدتها عقلية البشر. يأخذها بكل قدسيّة من دون الشك في سطورها، والبحث في مخفي أهدافها، والتسليم بصحة غايتها، وفهم أبعاد مسعى مشروعها، ويعمل على تطبيقها في داره بهمّة ونشاط  وكأن الأمر ابتدأ هناك وانتهى هناك، وأن كل ما يمكن فعله اليوم لا يتعدى عمل التطبيق، والتنفيذ لذاك الأمر والتصميم الذي اتى إليه من صوب الباب الغربي، سهلًا جاهزًا من دون تعب ولا عمل حقيقي وبكلفة زهيدة وزمن قصير نسبيا– لا حاجة لإضاعة الوقت في إعادة صنع العجلة من جديد.. تكاد تسمع لسان حال تلك الأنصاف المتعبة التابعة وهو يهذي مبررا وضيع فعل صاحبه. أما من تسبب في جريمة السبات العميق في دار أمرنا عبر القرون الماضية، فلا يمكن بأي حال من الأحوال ترك صغار أتباعه يتسيدون من جديد ساحة قادم فعل عقولنا وأمر حياتنا!

زكي مبارك