الفكرة الجديدة
الفكرة الجديدة حتى وإن كانت تمشي على أقدام
جديدة فإن بناءها يحمل غريزة خفيّة تدعوها إلى العودة إلى أصلها الأول الذي اختفت
معالمه وأصبحت نقيضا له.. الفكرة تحمل في جوهر بنائها نقيض سعيها إن لم يتم
حمايتها من نفسها! كيف يكون ذلك؟! الحداثة العلمانية تدّعي قيامها على دعائم الإيمان بالحرية
والعدالة و"الإنسانية" ولكنها تحمل في جيناتها نوازع قد تنزع إلى جعل
نفسها فكرة متسلطة.. سقف أعلى.. إطار مرجعية.. ديكتاتورية تحمي الحرية بأسم الحرية!
مثال آخر.. الاستعمار – كلونٍ حديثٍ
لاستعباد البشر خرج من دار وضعت الحرية لها كسماء وعماد وتمثال!. وأما في مجال
التفسير الديني فحدّث ولا حرج. ما أراه أن أصول منظومات القيم - الأخلاق - لا يمكن ردها إلى فعل ممنهج واعٍ كل
الوعي لكل فعله ولكن يمكن فهما أكثرا من خلال منظور الغريزة حيث أن أصل كل شعور
وفكر ولغة وتصرف ونبض قلب يمكن رد بعض ألوانه إلى أصول الغريزة الكامنة في جوف الكيان
البشري وعليه فأن فهم جذور الغريزة نفسها يمكن أن يؤدي إلى فهم نواتج وأقنعة
وأحاسيس تخرج من دارها. هنا يتوجّب فهم الإنسان أولًا ومن ثم فهم علاقته بالوجود، ولكن
لا يمكن الوصول إلى هذا الهدف من دون محاولة فهم الوجود ذاته أولًا، ومن ثم محاولة
ربط التفسيرين في مسعى شكّي في أساسة كمحاولة لرتق الهوة الشاسعة بين التصورين. في
كل من الدارين، فهم الإنسان لنفسه وفهم الإنسان للوجود ذاته، نحن نعاني من نقص كبير
في درجة الفهم. هذه الاستنتاجات تدفع إلى القول أن امكانية رد الأفعال إلى جذورها
تحمل من النسبية أكثر من المطلق وأن هذه العملية في نهاية الطريق، هي طريقة استدلالية
تعين على فهم معالم المسير وإعطاء مؤشرات قد نفهم منها إن كنا نسير في درب الحياة أو ضدها وليس بالضرورة أداة للوصول إلى الفهم العميق لذواتنا
ولوجودنا بالصورة المطلقة أو بالصورة الماسكة لجوهر اليقين.
زكي مبارك