عديم الإحساس
كان يا مكان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان، رجل في عالم غني ملون وجد
نفسه، جميل وشاعري. في الحقيقة ثمرة شجرة تتدلى لمن مد يده واشتهى أكلها. كل شيء
كان بحوزته، كل المعرفة وحقيقة الحقيقة نفسها، ورأى العالم كمن لم يره من خلفه ممن
سارت في عروقهم دماء الحياة، رجل بلا إحساس لكنه كان، في هذا لم يعرف ما لم يملكه.
لم يعرف ما تصفه حواس من أتى بعده، لم يعرف ما لم يكن له وجود في ذاته، وليس عبر
تجلياته، في هذا كان مصيره. كان أعمى عن المشاعر والأحاسيس وظواهرها، ألمها،
أفراحها، أحزانها، أتراحها، شقائها، بهجتها وغايتها. لم يشتكي حاله ولم يفرح لها،
لم يعرف الأول ولم يجد التالي. لم يفتقدها في وعيه وغيبه.
دق قلبه بلا رد فعل، بلا خوف، بلا ألم، ولا فرح. سيد على نفسه ولم يعرف
عكسه من وجود.
اقترفت يداه من العمل شنيعه وجميله، سيان كان الأمر عنده، في فعل الإرادة
يقبع الفعل، لم رد الفعل عندما يكون الفعل كاملاً، لم تأنيب الضمير، فلا وجود له
ليفعل فيه رد فعله. لم يكن للصدق وعكسه من داع، فليس يرى أمامه إلا ما يوجد في حد
ذاته، والأمر كان نفسه مع شره وخيره. قلب من صخر وروح تعيش ملهاة لعبتها. من يريد
العيش معه.
زكي مبارك