بين القراءة والكتابة...
نعمة أن تأكل من الأكل ما لذ وطاب وأن تشرب من الشراب لذيذه
وما يروي العطش ويرد الظمأ والأجمل أن ترى ذلك صحة في بدنك وجمالا في هيئتك... منه
تبني جسدك وتزيده قوة ومنعة ليعينك على
مواصلة المسير والبناء لحاضر يومك ومستقبله... لكن إلى من يقرأ كتب المعرفة وينهل
من معينها أقول له لحظة من فضلك... لِـمَ نحن نقرأ ومن نهل المعرفة ننهل... لِـمَ من
طيبها نأكل ومن نبعها نشرب... لِـمَ أرى من صنوف الكتب في مكتبتك صفوف أطباق متنوعة
ومن ينابيع المعرفة أشكالًا وشرابًا ولكن لا أرى لك فيما بينهم صنفًا وضعته بنفسك
أوطبقًا صنعته ليومك... لِـمَ لا أراك مما تقرأ وتنهل تبني لك فكرًا وبيتًا... بلحمك
ودمك أراك جسدًا وحسًا ولكن بعقلك لا وجود لك ولا أثر إلا من طيف شيء آخر... ماذا
قلت في كل ما وُضع أمامك من صنوف الاطباق والشراب طعامًا كان أو فكرًا... الأول
تكفل به بدنك استفادةً وهضمًا فنموًا وبناء والثاني لِـمَ لا أراك تبني منه لعقلك
بيتًا من معرفة وفكر... في مجال الفكر وساحته لا ريب أنك في ضيق من أمرك أو في
الإحتمال الثاني في ثقة عمياء وبسذاجة تنام ضيفًا ثقيلًا عند بعض الأنام... في حال
الأول كوّنت لنفسك من المتناقضات نسقًا ومن الثاني نمت في دار الآخر الغريب طفلاً
صغيرا... بيت لم يبنه عقلك من دم خطه قلبك ولم يكن في تصميمه رأي لك ومخطط، ومفتاح
وجدته ليس بمفتاحك كيف لك أن تقول أنه بيتك... أنك أهله... بيت من واجهة كل دار
جار نسخ... ومن كل نسق مختلف جمع في غرفة ووضع... ومن كل تناقض في الفكرة واللون والطعم
حشر كيف لك أن تقول لنفسك أنه بيت لك فيه تناسق وطمأنينة ومستقر... وفي الإحتمال الثاني تنتقل من مكان لآخر من
زاوية لأخرى تبات ليلة هنا وليلة هناك... لم لا أرى لك من مقام... خلف جدران عقل
رجل آخر حينًا تستظل وتلوذ بسقف فكر جماعة ساعة يوم آخر... تتخذه ملاذًا وليس لك
في الغالب في بلد الفكر أرض بإسمك ولا جذر...
زكي مبارك