search

20‏/12‏/2011

أطر التفكير

أطر التفكير
في مجال العمل تراه يحتقر ذلك المسؤول المباشر الذي يرى فيه تابع خانع للمسؤول الأكبر.ولكنه في مجال أهم وأعمق – حياته وإطار تفكيره مثلاً – تراه يُسّلم للمسؤول المباشر الذي ينقل تعاليم المسؤول الأكبر ويخنع له. في الأول لم يتم برمجة العقل للرضوخ التام الغير مشروط... في الثاني حدث العكس وبالتالي تم التسليم والخضوع الغير مشروط...
العمل كإطار للحياة هو نشاط متأخر في حياة الفرد، أما شأن الحياة وطريقة التفكير عموماً يتم التدخل في تفاصيل مسارته في وقت مبكر – الطفولة مثلاً- أو سن المراهقة، أي في الوقت الذي تكون فيه دفاعات العقل في طور النشوء ولم تكتمل دعاماتها بعد... يمكن النظر إلى تصرفات الشخص من خلال أطر مختلفة مثل ما سبق من أمثلة، وبالتالي يمكن التنبأ بطريقة تصرف هذا الانسان عندما يجد نفسه أو عندما يتم وضعه ضمن إطار محدد مرسوم له.
كيف يمكن لهذا الشخص التحرر مما هو فيه من تقييد لحرية التصرف المرتبطة بشأن حياته وطريقة تفكيره؟ عملية التحرر من الاطار الثاني تمثل له تحدياً أكبر من عملية رفض الإطار الأول. في الحالة الثانية يحدث صراع مع حواجز وقيود تم نصبها ووضعها للإنسان في لحظة ضعفه واستسلامه وعدم خبرته ومع الوقت أصبحت جزء من طريقة تفسيره لما حوله وتقيمه لوجوده. بعد محاولات رفض قليلة يدرك وعيه الفاحص مقدار قوة الحواجز الموضوعة ومقدار رسوخها فيبدأ الإحساس بجبورت القوة الحاكمة بالتعاظم أمام قدرته الذاتية التوّاقة إلى التحرر والانعتاق من القيود المكتشفة والتي دخات حيز الوعي عنده. بعد فترة من التفكير قد يستكين المرء إلى الاستسلام أمام القوة القاهرة  له وفي هذا نهاية مشوار جهد تحرره، وقد يجد نفسه يعيش في صراع بين مرحلتين، مرحلة انتقالية مؤلمة قد تمتد لفترات طويلة (سنوات) فيكون في هذه الفترات كشخصين في كيان واحد يتكلم عن شيئ يدركه ويعي سطوته ولكن لا يستطيع التحرر منه. قد تكون نتيجة هذا الصراع قاسية جداً عليه فهي تمثل فترة وعي لإحتلال لنفسه من قبل نفس متسلطة عليه أو من خلال دائرة فكرة حاكمة أوسع منه.
من يستيطع في الأخير التحرر من سطوة الإطار الموضوع له يكون مثل من يشهد حالة تحرير مملؤة بالفرح والنشوة والشعور بالنصر...
إن كان الشخص متسلحاً بالعلم والمعرفة الحرة والحقة والإرادة على التحرر فسيكون بإمكانه إعادة بناء نفسه بعد التحرير معتمداً على قدراته الخاصة وهذه صعب ولكن ليس بالمستحيل، وقد يجد نفسه مرغماً على طلب المعونة من فكر آخر (محتل محتمل آخر) مما يعرضه لمخاطر إعادة تدوير المشكلة، وربما الوقوع في حالة احتلال واعتماد على الآخر بصورة أكبر وبضررأفدح من الحالة الإحتلالية الأولى.


زكي مبارك