search

06‏/12‏/2011

الصحراء البهية – رحلة إلى الداخل المجهول

الصحراء البهية – رحلة إلى الداخل المجهول
نظر الإنسان الأول الى مرآته فهاله ما رأى فصنع لنفسه قفصًا ووضع شفرات وعيه فيه... هذا الخيار لم يكن حلا جذريا لمشكلةٍ بقدر كونه نواتج إدراكٍ اعتمد وضع الفرضيات وقراءة المعطيات على وجه الطرف الآخر.. الطريدة والجائزة التي يجب حفظها وتنميتها. لم يكن خياراً صعبًا لصيادٍ بالفطرة يصيد فريسته ليعيش فواحدة من مهاراته المتقدمة صناعة الاقفاص. حيث التفت وجد من الأقفاص معينًا لخياله... سرب من المفاهيم يمتد بطول أفق الوعي والتفسير. منظومة القيم - واحدة من أكبر الأقفاص وأكثرها مكرًا في عهدة التفكير البشري نفسه ومشاركة في بنائه. في هذا كان لبس قناع  القيم محاولة للدخول إلى  قفص الزمن والمكان للتحكم بحالة الوعي وضبط تحركاتها داخل حدوده وضمن نطاق سطوة قبضته، وكوصفة ضرورية من أجل استمرار المسير أو هكذا يفترض أن يكون التفسير. 

لماذا يُلقط ضمن إشارات هذا الوعي إحساسٍ بالتوق إلى محيط غير ذلك الذي هو فيه يعيش، وكأن هنالك من رمى المفتاح خارج القفص وغير مسمى ذلك القيد إلى إسم جديد ومفهوم آخر... وكأن هنالك من رام التحرر من افق صحرائه وسطوة مرآتها العاكسة لألوان تفكيره وتصرفاته، وأشكال فعله ورد فعله – طبيعته وحياتة. حتى يمكن التوصل الى تفسيرٍ أمثل لما سبق... يجب إطلاق الأسماء الأكثر توصيفًا والأكثر واقعيةً على المحسوس من ظاهر الأشياء والمدرك. حياة الانسان داخل القفص متمثلة بحدود الوعي وقيود الإدراك وضيق المسار،  يجب الاعتراف بها كفرضية أو كنتيجة معاشةٍ ولكن غير ملموسة بوضوحٍ وغير موصوفة بصراحةٍ واضحةٍ عاريةٍ.
أن تعيش كل حياتك داخله وتحت نغم أوامره... قد ينسيك تلاوين أفق الحياة خارجه وبالمقابل فالخروج منه فيه مخاطر التعرض للمجهول الجديد، وعامل خوف نابعٍ من نقص معرفة فرضها طمس معالم  التوثيق الأول واحتمال تيه في صحراء قاحلةٍ وضياعٍ، وهو أيضًا فرصة فضول وزيادة معرفة واحتمالية كشف منظومة دربٍ جديد، وهو مع كل ذلك وبحكم حدود الوعي قفصٍ جديد إلى حينٍ...  مفهوم خارجي يغلف آخر في داخله.

المعاناة من العيش في احتمالية كذب القفص، والمعاناة من تخيل شكل البديل لكذبة المفهوم والظاهر، والمعاناة من امكانية عدم القدرة أبدا على الخروج منه، تثير المواقف المريبة في عقل من يشاركك ذلك الحبس البهي لونا ما يجعل محاولة التخطيط للخروج كعمل وهدف يمثل مؤامرة تستبطن في الظاهر المدرك خرقاً للقارب المبحر في بحر الحياة أولا قبل أن تكون مجرد فضول خلق ثقب  في جدار القفص، جدار الخوف من المجهول أو هكذا ستُقرأ سطور هذه الأفعال. 
الهلع من مخاطر الغرق قد يدفع بمن يشاركك الحبس الزاهي في ظاهره الى منعك من استمرار المحاولة والخروج على قوانين ما داخل القفص وشفراته، جريمة تمرد بالنسبة له تستدعي عقوبة تتماهى وخطورة الفعل نفسه تبدأ في التقدير الاقل بحجر الفكرة ذاتها وقمعها قبل خروجها من دارها الهامسة.
عملية الخروج قد تكون مجرد عمل لدخول قفص آخر أكثر ضيقًا وأصعب فهمًا. القفص قد يكون داخل النفس ذاتها، وهي قد تكون مقيدة بقيود داخلية تمنع تحررها من قفصها الداخلي قبل الخارجي المتوهم. القفص الخارجي وضع من تجارب حياة سابقة وبمساعدة من وعي سابق متسلط ونافذ - هذا من المرجح بحكم سطوة قيوده التي لا ترحم ولا تسهّل تصور البديل الممكن. هو قفص خارجي بمعنى أنه من المصنوع ولكنه أستحال داخليا وتداخل مع النفس ذاتها وتلون بألوانها، وبالتالي فإن عملية التحرر ذاتها قد تكون وهماً لوهم وجود القفص ككيان قائم بحد ذاته تترتب علية ضرورة رسم البناء اولًا وتحديد معالمه قبل الشروع في فكرة هدم قواعده والخروج من بين حطامه.

 زكي مبارك