العزيز هاني
شكرا لتواصلك الطيب وتعليقك.
1. ...وصفت مخلوق ملائكي يعيش في مخيلتها....
نعم ان إيران التي نعرفها ليست بمخلوق ملائكي عجيب، فنصيبها من الملائكية المتصورة لا يتجاوز حظ ذلك الشاب البشري الذي رسمته مخيلة فتاة مراهقة، عن فارس أحلام، صورته رومانسيتها الأنثوية الجميلة في أحلى حلة، ورفعته إلى مصاف المخلوقات الملائكية التي لا تعرف للانحراف سبيلا. لا خلاف عندي على ذلك. ولكنني أجد صعوبة في تقبل استنتاجاتك القاطعة من ان هذا القول ينم عن نزعة قومية عنصرية مني (منا) تجاه الآخر الغير عربي. وعليه أجد ان استنتاجاتك المتعجلة تلك أدت بك إلى وضع فرضيات لاحقة خاطئة تقول ان مبعث كل ذلك أنما هو كره وحقد واستعلاء من العرق العربي على الآخر الغير عربي وفي هذه الحالة الخاصة على الفرس تحديدا.
يمكنني القول ان عدائنا أو إذا شئت خلافنا مع النظام الإيراني، آخذين بعين الاعتبار الأطر النسبية المستحدثة والظروف الوقتية الحاضرة، يستوجب حصره في الخلاف السياسي المتعلق بسياسة حكام إيران القائمة على السيطرة والهيمنة. إنها بالتحديد تلك السياسات الموثقة في تفاصيل دستور الدولة الإيرانية والمفعّلة على أرض واقع كيانات عربية محتلة من قبل الأجنبي، والمخطط لتفعيلها على أراض لدول عربية أخرى ذات سيادة. وحيث ان حكام إيران يستخدمون في هذا الخلاف السياسي من الأدوات ما هو ديني بحت أو تاريخي قديم أو ظروف إقليمية سياسية واجتماعية متوترة فان الظروف تفرض علينا التعامل مع خصم سياسي من هذا الطراز بأدوات مشابه، ولكل فعل رد فعل. فهل اللوم الأكبر يحق ان يقع على صاحب الفعل أم على من وجد نفسه في دائرة رد الفعل؟
إذا يمكن القول أن انتفاء مسببات الخلاف حول مفهوم طبيعة العلاقة بيننا كعرب وبينهم كجيران لنا، ستكون كفيلة بمد جسور ثقة مرتكزة على مبادئ الاحترام المتبادل والعيش السوي المشترك. إلا انه من الجدير بالذكر في هذا الخصوص ان المؤشرات المتلاحقة الآتية من صوب العراق شمالا ومن جهة الجزر الإماراتية جنوبا، لا تدل على نية صادقة من قبل حكام إيران للقبول الفعلي بمبدأ الشراكة السوية مع القوى الإقليمية العربية الأخرى.
2. هل يمكن تبرير احتلال الجزر العربية أو تأييدها؟
من الناحية المبدئية نحن نتفق ان الاحتلال هو عمل عدواني سافر لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال، أو تحت مظلة أي مسمى من المسميات أو ضمن إطار أي تفسير من التفسيرات، سواء كانت ذات طابع تبريري بحت أو تحت ظروف نفسية قاهرة أو نوايا خفية مستترة. وعليه فان هذا التصرف لا يمكن ان يصدر إلا من طرف يمكن وصفه بالطرف المعتدي الذي يستوجب منا التعامل معه وفق هذا التصور الاساسس المبدئي.
3. تصوروا يا جماعة لو كانت تلك الجزر بحرينية، هل ستقبلون؟
هناك قيود طبيعية تفرضها علينا طبيعتنا كبشر للنظر إلى الأمور الحياتية من خلال مناظير مختلفة متدرجة في المستوى والمضمون. بالنسبة لي لا يوجد خلاف جوهري، أو تضاد قسري، أو حدود مقدسة بين ما هو وطني خاص أو قومي عام. إنها أمور نسبية نصفها حتى نستوعب مفاهيم وأفكار إنسانية مجردة. ولكن واقع الحال يفرض علينا استدعاء هذه الأفكار بتدريجاتها ومضامينها المختلفة بهدف توصيل رسائل ذات معنى لأطراف متلقية. هناك ظروف تاريخية وجغرافية واقتصادية واجتماعية عديدة تفرض نفسها علينا وتحتم علينا وصف واقع فعلي معاش وعدم القفز فوقها أو دفن الرؤوس في الرمال حتى لا نراها. اعتقد انه من الضروري الاعتراف بأهمية هذه التصورات المختلفة في المستوى والمضمون، والعمل على التعامل معها على أنها وصف لكينونة واحدة تتخذ من الأشكال صور متعددة. التحدي الأكبر ليس في فرض تصور واحد محدد وقمع زوايا النظر الأخرى، ان التحدي الأكبر في اعتقادي أنما هو في رسم خيوط توفيقية تمكننا كبشر من التدرج فيما بين ما هو شأن خاص وشخصي إلى ما هو عام وشامل من دون الوقوع في مطبات التناقضات الجوهرية. وعليه فإن الولاء لدولنا القطرية الصغيرة ينبغي ان يكون متوافقا مع حسنا القومي الطبيعي وهويتنا الإسلامية الجامعة، وطبيعتنا البشرية السوية.
أما بخصوص سؤلك المحدد بخصوص القاعدة الأمريكية في الجفير، فيمكنني الإجابة عليه بالقول ان ما لا يتوافق و مصلحتنا الوطنية الخاصة وأهدافنا القومية العامة وهويتنا الإسلامية الجامعة هو أمر لا يمكن القبول به أو تبريره الو التهوين من شأنه. في اعتقادي ان هذه القاعدة لا يمكن تبرير وجودها ضمن أي من الأطر التصورية السابقة الذكر. وهي دليل على قصور ذاتي معيب في الكيان الوطني الخاص عندما يقطع نفسه عن امتداداته الطبيعية الأعم، وهذا يستوجب من كل من يحترم نفسه كإنسان راشد ويقدر آدميته ويرفض ان يتم التعامل معه على انه قاصر لا إرادة له ان يعمم مفهوم الاستقلالية الشخصية هذا ليشمل المستوى الوطني والقومي والإسلامي. أتذكر انه في رسالة سابقة لي في هذه المجموعة وصفت رأيي في تلك القاعدة في كلامات محددات تلخص ما ذكرته للتو.
4. أخيرا...
إن العداء العربي الشعبي لأميركا وللكيان الصهيوني هو عداء متعلق بالطموحات الإمبراطورية الجامحة للإدارات الأميركية المتعاقبة وبسبب سياستها الخارجية على مدى أكثر من خمسين سنة، المتعلقة بمنطقتنا العربية، والمواقف المنحازة للطرف الإسرائيلي المعتدي، وقراراتها الجائرة المتأثرة بتأثيرات القوى الصهيونية المتنفذة والمؤثرة في مفاصل مراكز اتخاذ القرار في الولايات المتحدة الاميريكية. وهذا أمر واضح لدى أغلب التيارات الوطنية والقومية والإسلامية العربية على امتداد الوطن العربي. وهذه السياسات في أحسن الأحوال هي تجليات لتوجهات امبريالية تفرضها طبيعة الأمور على كل كيان امبريالي إقليمي كان أو أممي، والولايات الاميريكة ليس استثناء في هذا الشأن.
أما بخصوص إيران، ولماذا العداء لإيران الآن، فهذا أمر ينبغي على الطبقة الحاكمة في إيران الانتباه له والتعامل معه بالجدية المطلوبة، وينبغي على حكامهم وحكمائهم فهم أسباب التداعي الخطير في مستويات التعاطف الشعبي العربي والرسمي تجاه إيران في الفترة الأخيرة وخصوصا بعد احتلال العراق وتدهور الأوضاع العراقية الداخلية الغير مسبوق وجريمة اغتيال المجاهد الشهيد صدام حسين في يوم العيد. نحن لا نؤدي خدمات مجانية لأميركا ولكن نسأل لماذا كل هذا الغباء الإيراني في تقدير الأمور.
تحياتي
زكي مبارك
From:
Sent: Sunday, March 04, 2007 2:07 PM
To: awal group
Subject: [Awal Group] Re:هل إيران عدوتنا؟
العزيز زكي
أعتذر عن تأخري في الرد على تعليقك وذلك بسبب إنشغالي خلال الإجازة وعدم قدرتي على فتح بريدي،
أسئلة يثيرها تعليقك....
1. ...وصفت مخلوق ملائكي يعيش في مخيلتها....
ما الذي حول النزعة العروبية و القومية فينا لاستنهاض أمتنا وتوحيدها وبعثها من جديد، وما تحمله إبتداء هذه النوايا من صفات وقيم إنسانية إيجابية، إلى قوى تنتشر بينها صفات الكره والحقد للقوميات الأخرى؟ ويتصدر هذه الموجة الفرس –أو إيران بشكل خاص من غلاة القومية بيننا وأشاعوا حولنا صفات تزدري الفرس وتنشر الحقد والكره و الاستعلاء عليهم.
هل الفرس سبب نكبتنا في فلسطين؟هل الفرس سبب ضعفنا وشتاتنا؟ومن هو الأحق منا بالعداء من أستعمرنا وسلب حقوقنا وأضاع عزتنا –أمريكا وإسرائيل أم من هم معنا في الهم سواء. أم نحن نستظهر كل هذا العداء للفرس لأننا فقط لا نستطيع فعله إلا معهم(واللي مايقدر على الحمار يحط حرته في البردعة)، وهذه حالة نفسية مريضة تستذئب أمام أندادها لتعويض وتفريغ حالة القهر والعجز من مواجهة الظالم الحقيقي –مثل الزوج المقهور في عمله والعاجز عن الدفاع عن نفسه هناك، يحيل ذلك الغضب على زوجته الفقيرة ويعنفها ويتعالى في إبراز بطشه وظلمه لها لتعويض النقص في نفسه.
نعم، الفرس أو إيران ليسوا ملائكة ولا أحد فينا أو حتى فيهم يقول بذلك وحتى في المخيلات، ولكن حتى نحن لسنا من الملائكة!، وهل يتوجب علينا عداء كل ما هو غير ملائكي؟، وهل هناك قوم من الملائكة على الأرض؟ لينالوا منا شفقة عدم العداء إليهم.
2. هل يمكن تبرير احتلال الجزر العربية أو تأييدها؟
تختصر كلمة (إحتلال) موقفنا إتجاه المسألة، وذلك بسبب متلازمة الرفض/للإحتلال، فكل احتلال يكون بشكل مباشر مرفوض، وعليه قطعا لا يمكن تأييده-ولا أجد حتى من كاتبه المقال دعوة لتأييد ما اعتبرته هي بنفسها (إحتلال)، بل أن صفات الرفض تطغى في سردها(إنني لم اعد اليوم آسفة على احتلال إيران) فهي أشارة لحالة نفسية تمر بها، كانت في السابق ترفض إحتلال إيران للجزر وآسفة عليها، ولكنها مع مشاهداتها لضياع الأمة وتحولها لقاعدة عسكرية أمريكية، فغدت ترفض الإحتلال –لأنها مازالت تسميه إحتلالا ولكنها غير آسفة عليها، لأنها على أقل تقدير ليست بيد عدونا الحقيقي ولم تنجس رمالها بأقدام خدمة الصهاينة.
3. تصوروا يا جماعة لو كانت تلك الجزر بحرينية، هل ستقبلون؟
استغربت جدا، نداء الاستغاثة هذا الذي أصدرت، هل وصلنا لأن نفترض أن القبول والرفض للاحتلال ينحصر على حدود دولنا القطرية الصغيرة؟ ومات أملنا بالحس القومي – ونحن الذين طفحت الدنيا من جعجتنا حول القومية، حتى مل الملل من قولنا فيها.
أم الرغبة في أمر آخر، كإختبار درجة الولاء للوطن؟
وعلى نفس سياقك، هناك قاعدة عسكرية أمريكية في الجفير، ما هو موقفك -القومي والوطني منها؟وما هي الحجج -غير الواهية التي ستقدم بشأن الصمت عنها أو قبولها؟
4. أخيرا...
نحن أمة ضحكت من جهلها الأمم
نعلم بأن أقدم الخطط وأشهرها لإحتلال و هزيمة أي أمة(فرق تسد)، نردد لأطفالنا قصص ليلية عن ضعف قطعة الخشب منفردة وقوتها مجتمعة، نحكي لهم قصة الثور الأسود في القطيع الأبيض وكيف تمكن الذئب منه بعد زرع الفرقة بينهم وتخلي القطيع عن الدفاع عنه، وغيرها...
ونعلم أيضا بأن أمريكا تستهدف إيران في هذه الفترة،
ولكن نمارس نوعا قاتل من البلادة، فننشر الحقد والكره ضد إيران، ونستخلق سموما (كصفوية) من أجل شرعنة محاربتها وكرهها، ونعمل-بكل جد وتفاني- من أجل إشعال الفتنة الطائفية في صفوننا...
هل تعتقد بأن أمريكا تريد منا خدمة أكبر من هذه الخدمة؟والتي يقدمها الكثيرون بتفاني وإخلاص وبصورة مجانية.
بهدوء شديد أيهما أولى في نظرك وحسك القومي بالعداء أمريكا وإسرائيل /أم إيران؟
وبشأن إحتلال العراق، كيف تفسر بأن العداء يتركز على إيران وتثار موجة العداء لها؟ وأمريكا هي من أحتل العراق.
حالة إستعداء إيران ونشر(الخوف والكره منها) الآن بيننا ،تخدم من ؟وفي مصلحة من؟
تحياتي
هاني الشيخ
تحية طيبة،
تقول كاتبة المقال أدناه، بعد أن وصفت مخلوق ملائكي يعيش في مخيلتها، تقول التالي:
"وأقول بصراحة إنني لم اعد اليوم آسفة على احتلال إيران لهذه الجزر (تقصد الجزر الإماراتية الثلاث)، فلو كانت لا زالت في أيدينا لأهديناها لقمة سائغة الى الأميركان يقيمون عليها القواعد العسكرية ويدمرون منها ما تبقى من بلادنا فأيهما أحسن؟ !"
إذا بالنسبة لهذه الكاتبة، عندما يتعلق الأمر باحتلال الأراضي العربية من قبل إيران فإن ذلك أمر يمكن تبريره أو حتى تأييده. تصوروا يا جماعة لو كانت تلك الجزر بحرينية، فهل هناك بحريني مخلص لوطنه يستطيع أن يدافع علانية عن وجهة نظرها تلك. وماذا لو احتلت إيران مناطق واسعة من دول الخليج العربية في الفترة السابقة...هل ستكرر الكاتبة حجتها الواهية أعلاه. وهل ستقبلون ذلك على أنفسكم يا أهل البحرين ويا أهل الخليج العربي؟!
تحياتي
زكي مبارك
------------
From:
Sent:
To: awal group
Subject: [Awal Group] åá ÅíÑÇä ÚÏæÊäÇ¿¿¿
الرأي والرأي الاخر
نحن والفرس: برسم الذين لا يريدون قراءة التاريخ
زينب محمود مقلد
هناك علاقة تاريخية متجذرة في القدم. تربطنا بالفرس جيراننا، مهما حاولنا التنكر لها وتغطيتها بالمقولات الفارغة والتحريضية التي أصبحت لغة التخاطب العربية وياللأسف...
لا أحد يستطيع نكران عظمة بلاد الفرس ومساهمتها في حضارة العالم القديم ... فقد كان الفرس واليونان ومن ثم الفرس والرومان أسياد العالم القديم بلا منازع يوم كنا نحن في بداوتنا وجاهليتنا ...
قديماً لم تحدثنا كتب التاريخ عن أية مواجهة أو إساءة حلت بنا من جيراننا هؤلاء بل على العكس من ذلك، فكسرى أنوشروان، الملك الفارسي العادل، ناصَرَ سيف بن ذي يزن، بطلنا القومي اليمني الذي دحر الأحباش عندما تجرأوا وغزوا جزيرة العرب، ولولا معونة فارس لما استطاع سيف إحراز النصر على الأحباش وطردهم من بلاده ... وهذه الواقعة ليست قديمة، فسيف توفي عام 574 اي بعد مولد الرسول « صلعم» بأربع سنوات.
وقد كان ملوك الفرس يجالسون الوفود العربية ويحترمون أسيادها ويحاورونهم محاورة الأنداد . ومحاورة اكثم بن صيفي الذي توفي سنة 630 م مع كسرى انوشروان معروفة في أدبياتنا، فقد كان أكثم سديد الرأي قوي الحجة وأعجب كسرى بشخصيته، وكرمه والوفد المرافق له وقال « لو لم يكن للعرب غيره لكفى»، وهذه الواقعة تدل عما كان الفرس يكنونه من إعجاب للعرب ممن يستحقون الإعجاب ...
ثم جاء الإسلام وقهرْنا، نحن العرب، الفرس وأزلنا دولتهم، وبعنا بنات ملكهم يزدجرد، حفيد كسرى الثاني في اسواق النخاسة، وقد كن ثلاثاً، وعندما عرضن للبيع تدخل علي بن أبي طالب وقال «إن بنات الملوك لا يُبعن بل يُخيّرن فيمن يردن من الرجال، فاختارت احداهن الحسين بن علي بن ابي طالب وولدت له الإمام علي بن الحسين «زين العابدين ». اما الاثنتان الباقيتان فكانت احداهن من نصيب عبد الله بن عمر بن الخطاب، فأولدها سالم، والأخرى تزوجها محمد بن ابي بكر فأولدها القاسم بن محمد ...
وانقضى عهد الخلفاء الراشدين، وجاء حكم بني أمية الذي انتهجوا فيه سياسة التمييز العنصري، فأبعدوا الفرس عن الجيش ومناصب الدولة وعاملوهم كمواطنين من الدرجة الثانية، بل الثالثة، وألحقوهم بالقبائل كأنه لا اصل لهم . وقد صبر الفرس والألم يعتصر قلوبهم، وهم الذين أسلموا إيمانا منهم بعدالة الاسلام وأدبياته ... الناس كلهم سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى الخ ...
.. لم يثر الفرس على العرب ولم يحاربوهم كالزنج والروم البيزنطيين، بل انصرفوا الى العلم والأدب وكل فنون المعرفة فبرعوا فيها . فكان منهم سالم الكاتب مولى هشام بن عبد الملك ثم خلفه عبد الحميد ... وعندما قامت الثورة العباسية بدعوتها الى « الرضا من اهل بيت النبي» آزرها الفرس وجعلوا خراسان منطلقاً للدعوة، ولولا مؤازرة أبي مسلم الخراساني لما استطاع الثائرون تحقيق النصر، وبعد ان ثبتت الدولة الجديدة أقدامها وأصبح أبو مسلم لا حاجة اليه قتله ابو جعفر المنصور وأوعز الى واليه على البصرة بقتل الأديب الفذ عبد الله بن المقفع الذي اغنى الثقافة العربية بكتابه المميز «كليلة ودمنة» وبالأدبين الكبير والصغير، وقد اماته ميتة تأنف النفس من سردها.
ورغم ذلك فقد تابع الفرس مسيرتهم في إغناء الثقافة العربية، فكان منهم أعلام تضيق الصفحات عن تعداد أسمائهم وتسجيل إنجازاتهم . فكان منهم النحاة والمؤرخون والفلاسفة والأطباء، ومعظم الاسماء اللامعة في تراثنا العربي من الفرس كسيبويه وابن سينا والبيروني والخوارزميون الثلاثة والرازي وابن الأثير والطبري وغيرهم كثر .
ورغم انصراف الفرس الى العلم فانهم لم يسلموا من كيد الخلفاء، فكانت من جديد نكبة البرامكة دون وجه حق وقتل بشار بن برد تحت وقع السياط، كل ذلك بتهمة الزندقة والمجوسية، ونسي الخلفاء ان كل انسان حر في ان يعتنق ما يشاء من الأديان وأنه «لا إكراه في الدين».
.. أما هذه المجوسية التي اعتبرها خلفاؤنا الأمويون والعباسيون «جريمة يعاقب عليها» قديماً، واستخدمها صدام حسين حديثاً، كاحدى الذرائع لينقضّ على الثورة الإيرانية الفتية، فتعالوا نرَ ما كتب المؤرخون عنها. « يقول وهيب ابي فاضل في كتابه القيّم «حضارات الشرق القديم » ص303 تحت عنوان «الزرادشتية ديانة الفرس المجوس ».
«كانت ديانة الفرس رحبة الصدر، قبلت ديانات الشعوب الأخرى واحترمتها ولم تفرض نفسها محل ديانة الآخرين، ودعت الى الصدق والأمانة والرحمة بالضعفاء، وأعطت الإنسان الأمل بالحياة الثانية وبالقيامة، وشددت على اعمال الخير، فأوصت بقول الحقيقة، وبالخير ينال الانسان الخلاص، ويساهم في خلاص الجماعة، وفي انتصار الخير على الشر، والإنسان عليه ان يصلي ويخدم الحق حتى ينتصر إله الخير ».
وفي العصور الحديثة لم يسئ الينا الفرس ولا هم حكموا بلادنا، الأتراك حكمونا وكان حكمهم ظالماً، باعتراف الجميع، وانتزعوا منا لواء الاسكندرونة وأقاموا علاقات حميمة مع اسرائيل، عدوتنا، الى حد التحالف ولا زالوا . ورغم ذلك فلا احد من العرب يذكر تركيا بسوء، ولا احد يخاف من نفوذها . وحده الخطر الإيراني يقضّ مضاجع الجميع والقنبلة الإيرانية ـ إن وجدت ـ فخطرها اكبر وأعتى من القنبلة الإسرائيلية . أن تمتلك اسرائيل السلاح النووي ومنذ عام 1948 فلا خطر في ذلك، وأما امتلاكه من قبل إيران فمسألة خطيرة وعويصة تعقد من أجلها المؤتمرات وتقام التحالفات، ومسألة فيها تأمل ونظر وتدقيق وحسابات ونسي الحريصون على العزة والكرامة العربيتين ان ايران لم تجلب الأميركان وكل جيوش الارض الى الخليج، وأن العراق احتل انطلاقاً من السعودية والكويت وقطر والبحرين، وأن إيران لم تحوّل الخليج منفذها البحري الوحيد ومنفذنا نحن ايضا ـ الأغبياءـ الى بحيرة اميركية يعيث فيها الاسطول الاميركي وجنوده تهديداً وتلويثاً وفساداً، وبعد كل ذلك فلا يجوز لإيران ان تدافع عن نفسها وتمتلك السلاح النووي، وأصبح خطر محبي علي بن ابي طالب أمرّ وأدهى من خطر بني خيبر وصهيون، وكأن إيران هي التي انتزعت ارضنا وشردت شعب فلسطين وأذلته وتذله كل يوم ...
قد يقول قائل ولكن إيران تحتل 3 جزر عربية، طمب الكبرى وطمب الصغرى وأبو موسى، على مثل هؤلاء أرد فأقول: إن إيران احتلت هذه الجزر أيام الشاه، يومئذ لم يفتح احد من العرب فمه، بل على العكس من ذلك، قام وزير خارجية مصر بزيارة عاجلة الى طهران واجتمع بوزير خارجيتها امير عباس هويدا «البهائي» فاستبشرنا خيراً ومن ثم أصدرا بياناً مشتركاً يشيد بالعلاقات التاريخية المميزة التي تربط القاهرة بطهران ... في ذلك الوقت بكيت ـ أنا العربية العاملية ـ قهراً وكتبت مقالاً في مجلة «البلاغ» تحت عنوان: «العرب الى أين » ولم يطالب احد بالجزر حتى قامت الثورة الإيرانية؟! وأقول بصراحة إنني لم اعد اليوم آسفة على احتلال إيران لهذه الجزر، فلو كانت لا زالت في أيدينا لأهديناها لقمة سائغة الى الأميركان يقيمون عليها القواعد العسكرية ويدمرون منها ما تبقى من بلادنا فأيهما أحسن؟ ! والمال السايب يعلم الناس الحرام .
في كل الاحوال هناك غلطتان كبيرتان ارتكبتهما إيران ولن يغفر لها ذلك الأشاوسة العرب ...
ـ الغلطة الأولى تاريخية، فقد جعل الملوك الصفويون المذهب الشيعي الجعفري دين الدولة الرسمي، وهذا ما أنسى فضائية «الزوراء» العراقية كل جرائم الاحتلال الاميركي ومخازيه، وجعلها لا برامج لها إلا مهاجمة « الصفويين»، وجعل في لبنان النصر الحلم الذي طالما انتظره العرب الشرفاء ضد العدو الإسرائيلي موضوع مساومة في زواريب السياسة اللبنانية، ذلك ان حكومة «الملالي» تدعم حزب الله. أما الذين يدعمهم مجرم الحرب بوش فلا جناح عليهم ولا هم يُساءلون؟
ـ أما الغلطة الثانية فهي أمرّ وأدهى، فقد حوّلت إيران سفارة إسرائيل الى سفارة لفلسطين واستقبلت ياسر عرفات ـ رحمه الله ـ استقبال الأبطال وآلت على نفسها أن تحرر القدس ومسجدها الأقصى، فقام صدام حسين بإيعاز من الدوائر المعروفة بشن الحرب على إيران الثورة لمنعها من التطاول على الكرامة العربية والتدخل فيما لا يعنيها والنهاية يعرفها الجميع؟ ! وهكذا أصبح الهلال الشيعي أشد خطراً من أرض الميعاد الصهيونية، اما نحن الشيعة العرب المطعون في وطنيتنا، وبأن ولاءنا ليس لأوطاننا فلن نرد على الخائفين من الهلال الشيعي، ولا على المشككين في ولائنا لأوطاننا، فهم اصغر من أن يُرد عليهم، فشعوبهم كفيلة بتدبر امرها معهم، وإن غداً لناظره قريب ...