من المؤكد الآن أن الجماعات الموالية لإيران في العراق ساعدت الغازي الأجنبي سراً ومن ثم علانية، ليس حباً للأمريكي، ولكن بسبب غضبهم من أوضاع العراق سابقا. هؤلاء كافئهم المحتل الأمريكي بتسليحهم بأسلحة غير جيدة ولكنها تمكنهم من التنكيل بمنافسيهم في العراق بعد أن تم حل الجيش العراق – وهو أمر مخطط له ولم يكن خطأ استراتيجيا. لقد أصبح هؤلاء وبسبب انكشاف مخططاتهم حتى قبل بدء حرب احتلال العراق، هدف مباشر للمقاومة في العراق، وهم يدركون بأنهم أصبحوا منبوذين من قبل عامة الناس على المستوى الشعبي العربي الذي لا يستطيع ان يتقبل فكرة التعاون العلني والسافر مع المحتل. كل ذلك لم يهمهم كثيراٌ وانشغلوا بمحاولة الحصول على ما يمكن الحصول عليه من قوة وسلطان في العهد الجديد حتى لو تطلب الأمر تورطهم في عمليات يمكن وصفها بأنها أعمال انتقامية. بالطبع هذا الأمر ينطبق على قوى أخرى في العراق والمنطقة ولكني سأحاول التركيز على موضوع المقال – إيران.
على العموم أدرك الناس أن هؤلاء هم الهدف التالي للمحتل الأمريكي إذا ما تمكنت القوات الأمريكية من السيطرة الكاملة على العراق – أي أن المسالة باتت مسألة وقت لا أكثر حتى يتم التصرف معهم بما يخدم المصالح العليا الأمريكية.
إن الهدف التكتيكي للأجنبي القوي – الأمريكان – هو إضعاف وتحجيم الجماعات المتفرقة سواء كانت جماعات موالية للمحتل أو مهادنة له وبطبيعة الحال قوى المقاومة، وفي سبيل الوصول إلى هدفه الاستراتيجي – ضم العراق فعليا إلى الإمبراطورية الأمريكية – فأن القوات الأميركية لن تمانع تصادم القوى السالفة الذكر بعضها ببعض حتى لو تطلب الأمر دعم بعض الجماعات لبعض الوقت ثم فتح المجال للقوى الأخرى للتحرك. أما بالنسبة للمشروع السياسي الأمريكي في العراق، فالهدف منه هو إشغال الشعب بسلطة وهمية تمكن المحتل من إحكام السيطرة على البلاد بهدوء. وفي حال تعذر وصول المستعمر الجديد إلى الهدف الاستراتيجي الأول، فأنه يمكنه على الأقل السيطرة أجزاء هامة من العراق وذلك عن طريق إشاعة الاضطرابات و الفتن وبث الفوضى في الجسم العراقي – حرب أهلية مدمرة للجماعات الأنفة الذكر يكون فيها المحتل هو الطرف القوي القادر على إنقاذ العراق وكبح جماح الأطراف المتقاتلة.
المشكلة ليست فهم ما يخطط له الأمريكان للسيطرة على المنطقة، ولكنها تتعلق بقبول طرف رئيسي – إيران – بالمشاركة في اللعبة الأمريكية الجديدة والاعتراف بشروطها ودفع أقزامها في العراق على الالتزام بتلك الشروط. حيث أن النظام الإيراني وبعد سقوط بغداد دخل الساحة العراقية ضمن شروط اللعبة الأمريكية الجديدة للعراق.
يمكن رسم إطاران أو نطاقان رئيسيان يمكن للقوى الأساسية في المنطقة التحرك من خلالهما ولكل إطار أو نطاق هناك شروط ومحددات. النطاق الأول يحدد شروط التحرك لهذه القوى ضمن المستوى الإقليمي الخاص بمنطقة الخليج والشرق العربي. أما النطاق الثاني فهو مجال تتحكم فيه القوة الأمريكية وبصورة تكاد تكون مطلقه. قد لا يكون لإيران القدرة على تغيير شروط اللعبة على مستوى نطاق اللعبة الأمريكي، ولكنها تستطيع التأثير وبقوة في النطاق الإقليمي. وأعتقد أن فضيلة الشيخ القرضاوي قد أوضح النقاط الأساسية التي يمكن لإيران البدء بها لتحسين العلاقات على المستوى الشعبي أولا وعلى المستوى الرسمي لاحقا هذا إن كانت إيران فعلا تعترف بالقوى الإقليمية الأخرى في الخليج كشركاء محتملين.
المؤشرات التي تأتي من العراق لا تدل على نية صادقة من قبل الإيرانيين لقبول بمبدأ الشراكة مع القوى الأخرى على المستوى الإقليمي، وإذا ما استمر الأمر على ما هو عليه الآن فان خيارات التحرك المتوافرة في يد القوى العربية الخليجية ستكون محدودة جدا، وبالتالي ستجد القوى الخليجية الرسمية منها والشعبية ستجد نفسها مرغمة على التحرك في هذا النطاق بطريقة تحفظها من الغرق والتلاشي، وهذا أمر لا يمكن لومها عليه أن حدث.
تحياتي
زكي مبارك