من أسباب السبات
من أسباب السبات في الدار (سبات نسبي بالنسبة للحركة التي دبت في أوصال الجسدين الغربي واليهودي): إهمال المركز الجغرافي الفكري، ازدهار الأطراف على حساب المركز؛ دخول الأجنبي في دائرة منظومة الحكم الفكري؛ انتصار تفسير فكري متحفّظ جاء كرد فعل لسيل من الانهزامات السياسية والعسكرية؛ القضاء على المعارضة الفكرية بصورة حاسمة مما أدى إلى خمول الجانب المنتصر نفسه (والفكر في ثقافتنا مرتبط بالدين بصورة متداخلة ومترابطة)؛ التوقف عن النمو (فكريًا وجسديًا!) إغلاق باب الاجتهاد في دائرة الفقه مثلًا.. امتد ليشمل نواح أشمل في جوانب الفكر الأعم والأشمل، وكذلك جوانب عملية مرتبطة بالحياة (العلوم الطبيعية، الطب، الهندسة... وكذلك النظرية السياسية) - هذا الأمر لا يفسر أسباب التخلف في جانب الفكر الشيعي والدولة الشيعية في الشرق؛ تحالف المؤسسة الفكرية (الدينية) والمؤسسة السياسية في القضاء على الخصوم الداخليين؛ الانكشاف أمام الهجوم الخارجي كنتيجة طبيعية للتوقف عن النمو وأخذ موضوع التحفّظ وموقع الدفاع كخيار بعيد الأمد (التوقف عن الهجوم إلى الخارج يدفع بالنوازع إلى تفكيك الداخل)؛ الظهور السريع نسبيًا للنهضة الغربية (فكريًا، وسياسيًا، وعسكريًا، وعلميًا) وعدم الالتفات لنشاطها المتسارع بسبب التركيز على حالة الحرب "العسكرية" بين الدولة العثمانية والدول الأوربية (تفوق جانب أولويات الدولة على جانب الثقافة والفكر - الحرب الأهم والأخطر!)؛ تفوق المد اليهودي الأوربي الذي استمر نموه بهدوء من خلف الستار على مدى فترة زمنية طويلة نسبيًا وبعيدًا عن اهتمام وانتباه أهل هذه الدار مما فاقم من تبعات السبات النسبي بعد أن وصل أمره لسواحل دارنا؛ ضرب الأطراف المزدهرة وتدميرها مع غياب البديل المعادل لها في القوة والتأثير في دائرة المركز؛ الحكم على المعرفة القادمة من الإغريق على أنها معرفة أجنبية في مجملها، فيما هي محصلة وإضافة لمعرفة الشرق القديم في الأصل وامتداد لها كما أن الإسلام امتداد للأديان السماوية التي سبقته وسد لنواقص تحريفها وتذكير بها وتكملة لها ودعوة للتفكر في آفاقها؛ الفشل في التفريق بين جذور ودوافع المعرفة البشرية من جهة وظواهر أشكالها والإخفاق في فرزها وفق أصول القيم المختبئة في جوانبها والحكم عليها من دون الرجوع إلى هذا المنظور الدقيق؛ محاربة المعرفة الغربية كجسم غريب وكهدف يستوجب الحذر منه قادم من دار الكفر وفي هذا تطرّف ساذج فاتن في رؤيته؛ تحوّل أفق الرسالة في مرحلة ما قبل السبات على يد المجرم في دارنا نحو الاهتمام بالنجاة على المستوى الشخصي والخاص وليس كرسالة لعموم البشر...
زكي مبارك