"العالم" بعيون ديكارتية
لو نظرنا إلى العالم "الحديث" من خلال عيونه الديكارتية فماذا يمكن أن نرى؟ صورة العالم وفق المنظور العلمي الغربي الحديث يقف على أسس وفرضيات وضعها ديكارت كبديهيات ومسلّمات بعد أن افترض أن وجوده كشخص يفكر هو الشيء المؤكد في هذا العالم. التفاصيل العلمية التي نشير إليها في يومنا هذا على أنها حقائق واكتشافات علمية تقف على هذا البناء البديهي!
ذاك الجسيم اكتشفه العلم الغربي الحديث بسبب بسيط: لأنه اختلقه قبل أن يبدأ البحث عنه ليكتشفه وهكذا مع بقية المخلوقات الرياضية الأخرى التي نعرفها اليوم بإسم المكتشفات العلمية في بحر العلوم الطبيعية الأساسية. قد يبدو الأمر تهريجيا في نبرته.. وقد لا يكون كذلك أيضا!
العلاقة بين المخلوقات الرياضية تم تصميمها وبدأ البحث عنها لإكتشافها بعد أن تم خلقها في الفكر الرياضي! التجربة المعملية لإثبات وجود هذه المخلوقات تم تصميمها بحيث تعثر على ما تم وضعه في هذا العالم الرياضي! "العلم" كعالم رياضي يخلق مخلوقاته ثم يبحث عنها ليثبت وجودها عبر التجربة المصممة لإكتشافها ويستخدمها كدليل مصنوع مسبقا لإثبات وجود المخلوق الذي يسميه الحقيقة العلمية.
الطبيعة وفق المنظور العلمي الغربي أصبحت كيانا مخلوقا - كيان موضوعي يمكن قياسه من قبل خالقه ديكارت! بعد أن تم خلق هذا العالم ومخلوقاته تم وضع لغة التخاطب بين مخلوقاته (الرياضيات والمعادلات الحديثة نسبيا) - لوصف طبيعة العلاقة بينهم وسميت هذه اللغة المخلوقة بالقوانين العلمية الرياضية!
عبر هذه الآلية تم بعث الروح في أوصال نظام يتيح تعريف العلاقة بين المخلوقات المخلوقة رياضيا التي تعيش في العالم الرياضي وتتكلم لغته! الإنسان وفق هذا المنظور الغربي أصبح بإمكانه أن يعلم الظاهر والمخفي من أمر مخلوقاته ويستطيع التحكم في حركتها وسكونها - المسألة مسألة وقت لا أكثر حتى يتم إخضاع الطبيعة لجبروته!.. الحركة وقوانينها هي قوانين لغة التخاطب في هذا العالم العجيب! وأصبح بالإمكان حضور مسرحية لمشاهدة هذه الأحداث والمخلوقات وهي تتصارع وتتفاعل في دراما جميلة ممتعة - أسمها العلم الغربي الحديث!
يمكن للحضور التفاعل مع الشخصيات المسرحية عبر أسئلة يمكن للمخلوقات فهمها وبالتالي الرد عليها بالإيجاب أو النفي (حوارات البحث العلمي)! لغة التخاطب هي الرياضيات الطبيعية طبعا! هي لعبة تخمين.. غميضة.. بحيث تختبئ المخلوقات ويحاول الحضور العثور عليها عبر طرح الأسئلة وانتظار الأجوبة. الأجوبة وطبيعتها تقول وتؤشر على طبيعة المخلوق نفسه وتكشفه!! التفاعل المسرحي هو التجربة المعملية؟! اللغات الرياضية المستحدثة تعمل كمنظار لوصف ورسم المخلوقات الرياضية في عالمها الرياضي نفسه.
الآن هل لنا أن نتكلم بصور أكثر جدية! كيف يمكن رسم هذا العالم العجيب؟
أولا يتم وضع إطار أو مرجعية أو أرضية أو سماء! لظهور الأشياء فيه: نظام يجسم الأشياء ويصفها، يخلق مكان عيشها، عالمها، حدود منطقها ووعيها.
بعد ذلك يتم وضع قوانين حاكمة لهذا العالم من خلالها يتم ضبط حركة الأشياء فيه - يمكنك أن تقول بديهيات أولية يقف عليها هذا العلم: هي بمثابة خطوط طوله وعرضه (فرضيات.. رأي.. عالم متخيل) - البديهيات في هذا الإطار قواعد أساسية يقف عليها البناء.
ثالثا، يتم في هذا العالم البديهي رسم خواص ومعالم الأشياء التي ستعيش فيه وطبيعة العلاقة بينهم مسبقا.. ليس غريبا اكتشاف البروتون لاحقا مثلا! وبعد ذلك يتم اعتبار هذا الإطار البديهي المرجع الرئيسي لكل الأشياء - هنا يتم سلب الطبيعة من نفسها - استعباد عقلها - جعلها شيئا موضوعيا يخضع لعقل الإطار البديهي.. يتم جعل الطبيعة شيئا قابلا للحساب، والتخطيط - أي جعلها كيان قابل للتنبؤ. وذاك هو الوجود! العالم اليوم نراه كما يريدنا العالم الغربي أن نراه - المضحك المبكي أن هذا تحديدا ما يراه العبد الذكي اليوم..!!
بعد وضع ما سبق - يتم وضع قوانين الوصول إلى مكونات هذا العالم بما يتناسب والفرضيات والبديهيات التي تم وضعها. هنا لا يتم الرجوع إلى طرق التفكير والأراء والمفاهيم المتعارف عليها تاريخيا . الأجسام الطبيعية فقط تلك التي تكشف عن نفسها في هذا العالم البديهي - الطبيعة تم تقليصها، تصغيرها، تبسيطها - جعلها مادة خام أولية - من الطين الذي يقبل التشكيل!! الأجسام يتم اظهارها بواسطة علاقة وقياسات الأماكن والوقت وقياسات الكتلة والقوة المؤثرة - أبطال رئيسيون في هذا العالم.
الكيفية التي ستظهر بها هذا الأجسام مصممة مسبقا في الإطار أو المرجع المذكور. للإطار قوانينه وقيوده لذلك يحدد الإطار طريقة تلقي ودراسة ما سيتم كشفه. ولكن بسبب طبيعة البحث والتقصي التي تم تحديدها، فهناك قيود لطبيعة سؤال البحث والتقصي.. وبالتالي يمكن القول أن السؤال يحمل في جوفه لون الجواب!! الجواب يجاوب على السؤال الذي يحدد مسبقا طبيعة الجواب.. هنا تخرج علينا (التجربة الفيزيائية) كما نفهمها اليوم. ما يمكن الحصول عليه بهذه الطريقة يتم أخذ صورة جماعية معه و يتم رسميا دعوته لأخذ مكان له في هذا العالم العجيب وما يتعذر يتم اعتباره مادة خام لأجسام قادمة.. متوقعة!
الكيفية التي ستظهر بها هذا الأجسام مصممة مسبقا في الإطار أو المرجع المذكور. للإطار قوانينه وقيوده لذلك يحدد الإطار طريقة تلقي ودراسة ما سيتم كشفه. ولكن بسبب طبيعة البحث والتقصي التي تم تحديدها، فهناك قيود لطبيعة سؤال البحث والتقصي.. وبالتالي يمكن القول أن السؤال يحمل في جوفه لون الجواب!! الجواب يجاوب على السؤال الذي يحدد مسبقا طبيعة الجواب.. هنا تخرج علينا (التجربة الفيزيائية) كما نفهمها اليوم. ما يمكن الحصول عليه بهذه الطريقة يتم أخذ صورة جماعية معه و يتم رسميا دعوته لأخذ مكان له في هذا العالم العجيب وما يتعذر يتم اعتباره مادة خام لأجسام قادمة.. متوقعة!
أخيرا.. بسبب الحاجة إلى المعيارية في القياس يجب تطوير لغات لوصف ما يحدث في هذا العالم البديهي بصورة متعارف عليها وبصورة معيارية. لغة تأخذ في الحسبان بديهيات المكان، والوقت، والحركة، الذين يمكن قياسهم بصورة معيارية في انحاء الإطار الأفتراضي - تطوير رياضيات حسابية بعيون تستطيع رؤية هذه الأجسام المخادعة!..
ماذا لو قلت لك أنك تنظر إلى تلك التفاحة التي سقطت من الشجرة بعيون نيوتنية، وإلى ذاك الضوء بعيون آينشتاينية، وإلى ذاك الجسيم المتناهي في الصغر بعيون بلانكية أو عيون بوهرية أو عيون شرودينجرية؟
لديكم عيون.. أفلا تنظرون؟!
قد يبدو الأمر تهريجيا في نبرته.. وقد لا يكون كذلك أيضا!
لديكم عيون.. أفلا تنظرون؟!
قد يبدو الأمر تهريجيا في نبرته.. وقد لا يكون كذلك أيضا!
زكي مبارك