search

19‏/02‏/2012

ذلك العالم العجيب

الكوانتم.. ذلك العالم العجيب

عالم اللاوعي المادي


في بلد علم اليوم تدور رحى نقاشات عميقة آثارها تتناول بأفكارها ما وضع على طاولة المكشوف من مجهول بدايات الكون والمنطق الخاص بلحظة تصور النشوء والتكون وبدء خلق الكون أو هذا ما يعتقدون! نقاشات تتعلق بماهية الدعائم التي يقف عليها التفسير الفكري والمنطقي والعقلاني لما تكشفه وتصرح به عين التجربة والقياس المادي في بحر آلية عمل الكون الداخلية، في محاولة قديمة جديدة لردم الهوة التي تفصل بين ما هو في دائرة الوعي المادي الملموس وذلك المتمثل في العالم المجهري المثبت بالتجربة ظواهره والمجهول خلف الأفق والمستور.


بحسب منطق الكوانتم، أنت ترى أثر ذلك الجزيء المادي كنتيجة لفعل النظر نفسه، وبالتالي لا يمكنك الجزم بوجوده في مكان محدد قبل بدء فعل النظر ذاته. هذا منطق يتعارض والتفسير الذي يقول أنك الآن تقرأ هذه السطور لوجودها قبل أن تراها، بمعنى أنك تواجدت في مكان تصادف نظرك إليه فرأيته. عدم رؤيتك لهذه السطور المكتوبة لا يعني أنها غير موجودة من دون لحظة وجودك، أو هكذا نفهم المحسوس والمدرك من قول العلم (المعقول).هذا الأمر لا ينطبق على عالم الجزيئات داخل مكونات أنوية الذرة وفي سمائها والتي يتكون منها الجزء المحسوس من الكون والأشياء. 

هذا مثال على الخط الفاصل ما بين منطق الكوانتم وتصور عالمنا المحسوس حيث يقع التناقض في التفسير وفي الفهم وفي منطقية المنطق نفسه، وفي هذه الدائرة المبهمة يحتدم النقاش اليوم بحثا عن تفسير لهذه الظاهرة التي ثبت وجودها بالعلم التجريبي والبحث المختبري على مر سنين ليست بالقليلة.

بالنسبة لعلماء الفيزياء والطبيعة الكوانتمية لا تناقض هنا بين ما سبق إن كان وعينا يتحدد رسمه بريشة معادلة رياضية تصف الأمر سواء على مستوى المنطق الجزيئ الصغير أو المنطق العياني المحسوس، وأن الثاني بالنسبة لإدراكه ناتج في الأساس من الأول.

تفسيرهم - أن أدوات القياس المستخدمة في العالم المحسوس تفشل في كشف بعض الخواص الكوانتمية وبالتالي لا يمكن ملاحظتها بدء من تلاشي خاصية إمكانية الوجود في أكثر من مكان واحد في وقت واحد أو ما يسمونه عدم المحلية في حالة جزيئات تتصرف في أوقات كجزيء وفي أوقات أخرى كنقيض له يعلن عن نفسه موجة لا جزيء - هنا العالم المدرك يخضع لمنطق المحلية والواقعية التي يستطيع العقل تفسيرها بعكس مكونه الدون جزيئي الذي يتصرف وفق منطق مناقض لتصرف الإطار الأكبر الذي يحتويه. 


واحدة من مدلولات هذا الكلام أنه لا يمكن الحصول على ملاحظة شاملة يقينية وكاملة لوصف كل مكونات نظام فيزيائي حيث لا يمكن كشف بحيادية كل العلاقات مع الجزيئات الكوانتمية الصغيرة المشاركة في تكوين النظام الأكبر - هذا لغز يحير عقول أصحاب المنطق والحساب ويدخل بالنسبة للبعض في إطار دائرة الجنون العلمي - المنطق يفقد عقله!
 

منطق الكوانتم كوصف لحالة اللاوعي المادي قبل تخلقه إلى وعي مادي مدرك يصرح أنه لا يمكن فهم الوعي المادي من خلال مكوناته التي تقبع في دائرة اللاوعي التي اتحدت لتكوين حالة وعي محددة يدركها العلم بمجساته.. ويصرح أيضا متحديا أنه لا يمكنك وصف حالة لا وعي تدثرت برداء سريتها حيث أن الوصف نفسه يضعها في حالة وعي مشوه يفقدها خواصها الأولى ويؤثر في قراءة حالها وتعطيك من القراءة جواب سؤالك وليس الجواب الحقيقي ذاته - الوصف نفسه يغير من حالة الموصوف بالنسبة للواصف.

يبدو هنا وكأن العلم يعلن بهمس لا يُسمع بصريح العبارة عن حدود استطاعته المادية في مجال الاستفادة من واحدة من أهم دعائمه القائمة على خاصية الوصف والمشاهدة كأداة للفهم والتفسير والبناء العقلي الذي يعتد به عصر اليوم كطريق للدرب القويم - ما المعين للعلم إذا؟!

زكي مبارك